بِنِيَّةِ الصِّيَامِ؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا أَفْعَالٌ تَتَمَيَّزُ عَنْ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ، وَيَخْتَصُّ بِهَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ حَتَّى يَأْتِيَ بِصَلَاةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ صَلَاةِ الْكُفَّارِ، مِنْ اسْتِقْبَالِ قِبْلَتِنَا، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ فِي صَلَاتِهِمْ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ بِهِ الْإِسْلَامُ فِي الْأَصْلِيِّ، حَصَلَ بِهِ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ كَالشَّهَادَتَيْنِ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ رِدَّتِهِ، حُكِمَ لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ صَلَاتِهِ أَوْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِجَحْدِ فَرِيضَةٍ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ نَبِيٍّ، أَوْ مَلَكٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي يَنْتَسِبُ أَهْلُهَا إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِصَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ، وَيَفْعَلُهَا مَعَ كُفْرِهِ، فَأَشْبَهَ فِعْلَهُ غَيْرَهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(7115) فَصْلٌ: وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يَجُوزُ إكْرَاهُهُ، كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، فَأَسْلَمَ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ، حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ طَوْعًا، مِثْلُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَنْهُ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ. وَإِنْ رَجَعَ إلَى دِينِ الْكُفْرِ، لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ وَلَا إكْرَاهُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَصِيرُ مُسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْهُ قُتِلَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. فَإِذَا قَالُوهَا، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا.» وَلِأَنَّهُ أَتَى بِقَوْلِ الْحَقِّ، فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ كَالْحَرْبِيِّ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ إكْرَاهُهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ، كَالْمُسْلِمِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِكْرَاهِ قَوْله تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] . وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ - إذَا أَقَامَ عَلَى مَا عُوهِدَ عَلَيْهِ -، وَالْمُسْتَأْمَنَ لَا يَجُوزُ نَقْضُ عَهْدِهِ، وَلَا إكْرَاهُهُ عَلَى مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ.
وَلِأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ إكْرَاهُهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ، كَالْإِقْرَارِ وَالْعِتْقِ. وَفَارَقَ الْحَرْبِيَّ وَالْمُرْتَدَّ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُمَا، وَإِكْرَاهُهُمَا عَلَى الْإِسْلَامِ، بِأَنْ يَقُولَ: إنْ أَسْلَمْتَ وَإِلَّا قَتَلْنَاك. فَمَتَى أَسْلَمَ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ظَاهِرًا. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَنْهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أُكْرِهَ بِحَقٍّ، فَحُكِمَ بِصِحَّةِ مَا يَأْتِي بِهِ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ الْمُسْلِمُ عَلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى،