لَيْسَ بِعَدْلٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ يَفْسُقُونَ بِبَغْيِهِمْ، وَالْفِسْقُ يُنَافِي الْقَضَاءَ. وَلَنَا أَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْفُرُوعِ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يَفْسُقْ كَاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا حَكَمَ بِمَا لَا يُخَالِفُ إجْمَاعًا، نَفَذَ حُكْمُهُ، وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ، نُقِضَ حُكْمُهُ لِأَنَّ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ إذَا حَكَمَ نُقِضَ حُكْمُهُ؛ فَقَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ أَوْلَى.
وَإِنْ حَكَمَ بِسُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فِيمَا أَتْلَفُوهُ حَالَ الْحَرْبِ، جَازَ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ. وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ فِيمَا أَتْلَفُوهُ قَبْلَ قِيَامِ الْحَرْبِ، لَمْ يَنْفُذْ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ. وَإِنْ حَكَمَ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِيمَا أَتْلَفُوهُ حَالِ الْحَرْبِ، لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ؛ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ. وَإِنْ حَكَمَ بِوُجُوبِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفُوهُ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ، نَفَذَ حُكْمُهُ. وَإِنْ كَتَبَ قَاضِيهِمْ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ، جَازَ قَبُولُ كِتَابِهِ؛ لِأَنَّهُ قَاضٍ ثَابِتُ الْقَضَايَا، نَافِذُ الْأَحْكَامِ. وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْبَلَهُ، كَسْرًا لِقُلُوبِهِمْ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَجُوزُ. وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي هَذَا. فَأَمَّا الْخَوَارِجُ إذَا وَلَّوْا قَاضِيًا، لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِمْ الْفِسْقُ، وَالْفِسْقُ يُنَافِي الْقَضَاءَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ، وَتَنْفُذَ أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَطَاوَلُ، وَفِي الْقَضَاءِ بِفَسَادِ قَضَايَاهُ وَعُقُودِهِ - الْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهَا - ضَرَرٌ كَثِيرٌ، فَجَازَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، كَمَا لَوْ أَقَامَ الْحُدُودَ، وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ وَالزَّكَاةَ.
فَصْلٌ: وَإِنْ ارْتَكَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ فِي حَالِ امْتِنَاعِهِمْ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمْ، أُقِيمَتْ فِيهِمْ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَسْقُطُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا امْتَنَعُوا بِدَارٍ، لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا عَلَى مَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ تَاجِرٍ أَوْ أَسِيرٍ؛ لِأَنَّهُمْ خَارِجُونَ عَنْ دَارِ الْإِمَامِ، فَأَشْبَهُوا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَلَنَا، عُمُومُ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الْعِبَادَاتُ فِي أَوْقَاتِهَا، تَجِبُ الْحُدُودُ فِيهِ عِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِهَا، كَدَارِ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ وَلِأَنَّهُ زَانٍ أَوْ سَارِقٌ، لَا شُبْهَةَ فِي زِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، كَاَلَّذِي فِي دَارِ الْعَدْلِ. وَهَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ أَتَى حَدًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا يُقَامُ إلَّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
(7081) فَصْلٌ: وَإِذَا اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِالْكُفَّارِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ؛ أَحَدُهُمْ: أَهْلُ الْحَرْبِ، فَإِذَا اسْتَعَانُوا بِهِمْ، أَوْ آمَنُوهُمْ، أَوْ عَقَدُوا لَهُمْ ذِمَّةً، لَمْ يَصِحَّ وَاحِدٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ إلْزَامُ كَفِّهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَؤُلَاءِ يَشْتَرِطُونَ عَلَيْهِمْ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَصِحُّ. وَلِأَهْلِ