لِتَكْذِيبِهِ لَهُمَا، وَرُجُوعِهِ عَمَّا شَهِدَا لَهُ بِهِ، وَالْآخَرَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لِلْأَوَّلَيْنِ، وَلِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا ضَرَرًا، وَإِنْ صَدَّقَ الْجَمِيعَ، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِ الْأَوَّلَيْنِ مُكَذِّبٌ لِلْآخَرَيْنِ، وَتَصْدِيقُهُ لِلْآخَرَيْنِ تَكْذِيبٌ لِلْأَوَّلَيْنِ، وَهُمَا مُتَّهَمَانِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالشَّهَادَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الدَّعْوَى، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فَرْضُ تَصْدِيقِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ؟ قُلْنَا: قَدْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَشْهَدُوا قَبْلَ الدَّعْوَى، إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ مَنْ قَتَلَهُ؛ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ الشُّهَدَاءِ، الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» . وَهَذَا مَعْنَى ذَلِكَ.