مَخَاضٍ، وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَعَشَرَةٌ بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الدِّيَاتُ كُلُّهَا أَخْمَاسٌ، كَدِيَةِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَلَا تَخْتَلِفُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ.
وَحُكِيَ عَنْهُ، أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ، وَدِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ أَخْمَاسٌ؛ لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، فَكَانَ أَخْمَاسًا، كَدِيَةِ الْخَطَأِ. وَلَنَا، مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّ ابْنَ لَبُونٍ يَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ عَنْ ابْنَةِ مَخَاضٍ فِي الزَّكَاةِ إذَا لَمْ يَجِدْهَا، فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي وَاجِبٍ، وَلِأَنَّ مُوجِبَهُمَا وَاحِدٌ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ ابْنَةَ مَخَاضٍ؛ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ الْأَقَلُّ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، يَجِبُ عَلَى مِنْ ادَّعَاهُ الدَّلِيلُ، فَأَمَّا دِيَةُ قَتِيلِ خَيْبَرَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدَّعُوا عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ قَتْلَهُ إلَّا عَمْدًا، فَتَكُونُ دِيَتُهُ دِيَةَ الْعَمْدِ، وَهِيَ مِنْ أَسْنَانِ الصَّدَقَةِ، وَالْخِلَافُ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ. وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ يُخَالِفُ الْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
فَصْلٌ: وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَضَى بِدِيَةِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةَ عَمْدِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، بِمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ دِيَةَ الْخَطَأِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ جِنَايَاتِ الْخَطَأِ تَكْثُرُ، وَدِيَةَ الْآدَمِيِّ كَثِيرَةٌ، فَإِيجَابُهَا عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ يُجْحِفُ بِهِ، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ إيجَابَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِلْقَاتِلِ، وَالْإِعَانَةِ لَهُ، تَخْفِيفًا عَنْهُ، إذْ كَانَ مَعْذُورًا فِي فِعْلِهِ، وَيَنْفَرِدُ هُوَ بِالْكَفَّارَةِ.
(6788) فَصْلٌ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهَا مُؤَجَّلَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ فَإِنَّ عُمَرَ، وَعَلِيًّا، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، جَعَلَا دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. وَلَا نَعْرِفُ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، وَاتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، فَلَمْ يَجِبْ حَالًّا كَالزَّكَاةِ، وَكُلُّ دِيَةٍ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، تَجِبُ مُؤَجَّلَةً؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَمَا لَا تَحْمِلُهُ