إمْكَانِهِ لِفَضِيلَتِهِ، ضُوعِفَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ، كَالْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ ذِمِّيًّا عَمْدًا. وَلَوْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ إحْدَى عَيْنَيْ الصَّحِيحِ خَطَأً، لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ؛ لِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِتَضْعِيفِ الدِّيَةِ.
(6706) فَصْلٌ: وَلَوْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ مِثْلِهِ، فَفِيهِ الْقِصَاصُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِتَسَاوِيهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مِثْلَ الْعَيْنِ، فِي كَوْنِهَا يَمِينًا أَوْ يَسَارًا. وَإِنْ عَفَا إلَى الدِّيَةِ، فَلَهُ جَمِيعُهَا، وَكَذَلِكَ إنْ قَلَعَهَا خَطَأً، أَوْ عَفَا بَعْضُ مُسْتَحِقِّي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِجَمِيعِ بَصَرِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَلَعَ عَيْنَيْ صَحِيحٍ.
(6707) فَصْلٌ: وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَيْ صَحِيحٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ جَمِيعَ بَصَرِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ، فَلَهُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» . وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ الْقِصَاصُ، فَلَمْ تَتَضَاعَفْ الدِّيَةُ، كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأَشَلُّ يَدَ صَحِيحٍ، أَوْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ، أَوْ يَدُ الْقَاطِعِ أَنْقَصَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَقْتَضِي الْفِقْهُ أَنْ يَلْزَمَهُ دِيَتَانِ، إحْدَاهُمَا لِلْعَيْنِ الَّتِي تُقَابِلُ عَيْنَهُ، وَالدِّيَةُ الثَّانِيَة لِأَجْلِ الْعَيْنِ النَّاتِئَةِ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ أَعْوَرَ. وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَشَدُّ مُوَافَقَةً لِلنُّصُوصِ، وَأَصَحُّ فِي الْمَعْنَى.
(6708) فَصْلٌ: وَإِنْ قَلَعَ صَحِيحُ الْعَيْنَيْنِ عَيْنَ أَعْوَرَ، فَلَهُ الْقِصَاصُ مِنْ مِثْلِهَا، وَيَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِجَمِيعِ بَصَرِهِ، وَأَذْهَبَ الضَّوْءَ الَّذِي بَدَلُهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الضَّوْءِ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَخْذُ عَيْنَيْنِ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا أَخْذُ يَمِينٍ بِيُسْرَى، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَدَلِ نِصْفِ الضَّوْءِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، أَوْ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأَشَلُّ يَدًا صَحِيحَةً، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ هَاهُنَا غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا بَدَلٌ، كَزِيَادَةِ الصَّحِيحَةِ عَلَى الشَّلَّاءِ، هَذَا مَعَ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] .
فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ الْأَقْطَعُ يَدَ مَنْ لَهُ يَدَانِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ قُطِعَتْ رِجْلُ الْأَقْطَعِ أَوْ يَدُهُ، فَلَهُ الْقِصَاصُ أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّ يَدَ الْأَقْطَعِ لَا تَقُومُ مَقَامَ يَدَيْهِ فِي الِانْتِفَاعِ وَالْبَطْشِ، وَلَا يُجْزِئُ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ،