أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، ضَمِنَهُ بِالدِّيَةِ، وَلَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ.
وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَقَوْلِهِ. وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ أَسِيرًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، لَمْ يَضْمَنْهُ إلَّا بِالدِّيَةِ، عَمْدًا قَتَلَهُ أَوْ خَطَأً. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهُ قَتَلَ مِنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا ظُلْمًا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ دَارٍ يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ إذَا كَانَ فِيهَا إمَامٌ، يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إمَامٌ، كَدَارِ الْإِسْلَامِ.
(6586) فَصْلٌ: وَقَتْلُ الْغِيلَةِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ، وَذَلِكَ لِلْوَلِيِّ دُونَ السُّلْطَانِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ يُقْتَلَ بِهِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ. وَالْغِيلَةُ عِنْدَهُ، أَنْ يُخْدَعَ الْإِنْسَانُ، فَيُدْخَلَ بَيْتًا أَوْ نَحْوَهُ، فَيُقْتَلَ أَوْ يُؤْخَذَ مَالُهُ. وَلَعَلَّهُ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ عُمَرَ، فِي الَّذِي قُتِلَ غِيلَةً: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَأَقَدْتُهُمْ. بِهِ وَبِقِيَاسِهِ عَلَى الْمُحَارِبِ.
وَلَنَا، عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] . وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ» . وَلِأَنَّهُ قَتِيلٌ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ، فَكَانَ أَمْرُهُ إلَى وَلِيِّهِ، كَسَائِرِ الْقَتْلَى، وَقَوْلُ عُمَرَ: لَأَقَدْتُهُمْ بِهِ. أَيْ أَمْكَنْت الْوَلِيَّ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ مِنْهُمْ.
(6587) فَصْلٌ: وَإِذَا قَتَلَ رَجُلًا، وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ، أَوْ أَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ أَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ يُكَابِرهُ عَلَى مَالِهِ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَزِمَهُ الْقِصَاصُ. رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، وَسَوَاءٌ وُجِدَ فِي دَارِ الْقَاتِلِ، أَوْ فِي غَيْرِهَا، أَوْ وُجِدَ مَعَهُ سِلَاحٌ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ، فَقَالَ: إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيه، فَلَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.
وَإِنْ اعْتَرَفَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا يَتَغَدَّى، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ يَعْدُو، وَفِي يَدِهِ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ، وَوَرَاءَهُ قَوْمٌ يَعْدُونَ خَلْفَهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ مَعَ عُمَرَ، فَجَاءَ الْآخَرُونَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ هَذَا قَتَلَ صَاحِبَنَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا يَقُولُونَ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي ضَرَبْت فَخِذِي امْرَأَتِي، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ فَقَدْ قَتَلْتُهُ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّهُ ضَرَبَ بِالسَّيْفِ، فَوَقَعَ فِي وَسَطِ الرَّجُلِ وَفَخِذِي الْمَرْأَةِ. فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ