إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَقَدْ قَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مَقَامَ سَيِّدِهِ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِنْفَاقٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَدَائِهِ مِنْهُ، فَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَدَّى الْحَاكِمُ عَنْ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى امْرَأَتِهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِشَيْءِ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فِي مَنْ أَنْفَقَ عَلَى الرَّهْنِ الَّذِي عِنْدَهُ، أَوْ الْوَدِيعَةِ، أَوْ الْجِمَالِ إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ وَتَرَكَهَا مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ.
(6578) فَصْلٌ: وَلَهُ تَأْدِيبُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ إذَا أَذْنَبَا، بِالتَّوْبِيخِ، وَالضَّرْبِ الْخَفِيفِ، كَمَا يُؤَدِّبُ وَلَدَهُ، وَامْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، وَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهُ عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ، وَلَا ضَرْبُهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا وَإِنْ أَذْنَبَ، وَلَا لَطْمُهُ فِي وَجْهِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيّ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ، لَيْسَ لَنَا إلَّا خَادِمٌ وَاحِدٌ، فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعْتَاقِهَا، فَأَعْتَقْنَاهَا» . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُنْت أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي يَقُولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْك مِنْك عَلَى هَذَا الْغُلَامِ.»
(6579) فَصْلٌ وَمَنْ مَلَكَ بَهِيمَةً، لَزِمَهُ الْقِيَامُ بِهَا، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، مِنْ عَلْفِهَا، أَوْ إقَامَةِ مَنْ يَرْعَاهَا؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَبَى أَوْ عَجَزَ، أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهَا، أَوْ ذَبْحِهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يُذْبَحُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ، بَلْ يَأْمُرُهُ، كَمَا يَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا يَثْبُتُ لَهَا حَقٌّ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ مِنْهَا الْخُصُومَةُ، وَلَا يُنْصَبُ عَنْهَا خَصْمٌ، فَصَارَتْ كَالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ. وَلَنَا، أَنَّهَا نَفَقَةُ حَيَوَانٍ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، فَكَانَ لِلسُّلْطَانِ إجْبَارُهُ عَلَيْهَا، كَنَفَقَةِ الْعَبِيدِ، وَيُفَارِقُ نَفَقَةَ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ، بِيعَتْ عَلَيْهِ، كَمَا يُبَاعُ الْعَبْدُ