فَلَزِمَتْهُ إجَابَتُهُ، كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِلسَّفَهِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ غَالِبًا، وَيَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِهِ، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ، كَالنَّفَقَةِ، بِخِلَافِ الْحَلْوَاءِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْن تَزْوِيجِهِ، أَوْ تَمْلِيكِهِ أَمَةً يَتَسَرَّاهَا. وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَتَهُ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ مُبَاحٌ لِلْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهُ إلَّا عِنْدَ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، وَفِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا تُعْلَمُ حَاجَتُهُ إلَّا بِطَلَبِهِ.
وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ، فَإِنَّ إجْبَارَ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ عَلَى النِّكَاحِ غَيْرُ جَائِزٍ. فَأَمَّا الْأَمَةُ، فَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْن تَزْوِيجِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا، فَيُغْنِيَهَا بِاسْتِمْتَاعِهِ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ، وَإِزَالَةُ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَحَدِهِمَا، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا.
(6572) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لِلْعَبْدِ زَوْجَةٌ فَعَلَى سَيِّدِهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَيْلًا لِأَنَّ إذْنَهُ فِي النِّكَاحِ إذْنٌ فِي الِاسْتِمْتَاعِ الْمُعْتَادِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ لَيْلًا وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا.
(6573) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنَّ امْتَنَعَ، أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ إذَا طَلَبَ الْمَمْلُوكُ ذَلِكَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا امْتَنَعَ مِمَّا يَجِبُ لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ، مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ، فَطَلَبَ الْعَبْدُ الْبَيْعَ، أُجْبِرَ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ امْتِنَاعُ السَّيِّدِ مِنْ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ أَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مَعَ الْإِخْلَالِ بِسَدِّ خَلَّاتِهِ إضْرَارٌ بِهِ، وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ وَاجِبَةٌ، فَوَجَبَتْ إزَالَتُهُ؛ وَلِذَلِكَ أَبَحْنَا لِلْمَرْأَةِ فَسْخَ النِّكَاحِ عِنْدَ عَجْزِ زَوْجِهَا عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا.
وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «عَبْدُك يَقُولُ: أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَبِعْنِي. وَامْرَأَتُك تَقُولُ: أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي» . وَهَذَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ مَتَى وَفَّى بِحُقُوقِ عَبْدِهِ، فَطَلَبَ الْعَبْدُ بَيْعَهُ، لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَيْهِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ: اسْتَبَاعَتْ الْمَمْلُوكَةُ، وَهُوَ يَكْسُوهَا مِمَّا يَلْبَسُ، وَيُطْعِمُهَا مِمَّا يَأْكُلُ. قَالَ لَا تُبَاعُ، وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ تَحْتَاجَ إلَى زَوْجٍ، فَتَقُولَ: زَوِّجْنِي. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَإِسْحَاقُ، فِي الْعَبْدِ يُحْسِنُ إلَيْهِ سَيِّدُهُ، وَهُوَ يَسْتَبِيعُ: