الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ دِينُهُمَا مُخْتَلِفًا، فَلَا نَفَقَة لَأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي عَمُودِي النَّسَبِ رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا نَفَقَةٌ تَجِبُ مَعَ اتِّفَاقِ الدِّينِ، فَتَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِهِ، كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ، وَلِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى قَرِيبِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَ دِينُهُمَا.
وَلَنَا، أَنَّهَا مُوَاسَاةٌ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، فَلَمْ تَجِبْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، كَنَفَقَةِ غَيْرِ عَمُودَيْ النَّسَبِ، وَلِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَوَارِثَيْنِ فَلَمْ يَجِبْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ نَفَقَةٌ بِالْقَرَابَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا، وَتُفَارِقُ نَفَقَةَ الزَّوْجَاتِ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ يَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ، فَلَمْ يُنَافِهَا اخْتِلَافُ الدِّينِ، كَالصَّدَاقِ وَالْأُجْرَةِ، وَكَذَلِكَ تَجِبُ مَعَ الرِّقِّ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْمَمَالِيكِ، وَالْعِتْقُ عَلَيْهِ يَبْطُلُ بِسَائِرِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ مَعَهُ، وَلِأَنَّ هَذِهِ صِلَةٌ وَمُوَاسَاةٌ، فَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، كَأَدَاءِ زَكَاتِهِ إلَيْهِ، وَعَقْلِهِ عَنْهُ، وَإِرْثِهِ مِنْهُ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْقَرِيبُ مَحْجُوبًا عَنْ الْمِيرَاثِ بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، فَيُنْظَرُ؛ فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ مُوسِرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَحْجُوبِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُ، فَيَكُونُ أَوْلَى بِالْإِنْفَاقِ وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ مُعْسِرًا، وَكَانَ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ عَمُودَيْ النَّسَبِ، وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُوسِرِ. ذَكَرَ الْقَاضِي، فِي أَبِ مُعْسِرٍ وَجَدٍّ مُوسِرٍ، أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْجَدِّ.
وَقَالَ، فِي أُمٍّ مُعْسِرَةٍ وَجَدَّةٍ مُوسِرَةٍ: النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدَّةِ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَى وَلَدِ ابْنَتِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» . فَسَمَّاهُ ابْنَهُ، وَهُوَ ابْنُ ابْنَتِهِ، وَإِذَا مُنِعَ مِنْ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ لَقَرَابَتِهِمْ، يَجِبْ أَنْ تَلْزَمَهُ نَفَقَتُهُمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عَمُودِي النَّسَبِ، لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَحْجُوبًا. قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي ابْنٍ فَقِيرٍ وَأَخٍ مُوسِرٍ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ لِعُسْرَتِهِ وَالْأَخَ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ إرْثه؛ وَلِأَنَّ قَرَابَتَهُ ضَعِيفَةٌ لَا تَمْنَعُ شَهَادَتَهُ لَهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ كَذَوِي الرَّحِمِ.
وَيَتَخَرَّجُ فِي كُلِّ وَارِثٍ، لَوْلَا الْحُجُب، إذَا كَانَ مَنْ يَحْجُبُهُ مُعْسِرًا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. وَالثَّانِي، عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِوُجُودِ الْقَرَابَةِ الْمُقْتَضِيَةِ