ِ الْأَصْلُ فِي التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ وَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] . ذَكَرهمَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي جُمْلَةِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: لَا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ، نَذْكُرُ أَكْثَرَهَا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي تَضَاعِيفِ الْبَابِ.
وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ ثَبَتَ بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَتَحْرِيمَ الْبِنْتِ ثَبَتَ بِالتَّنْبِيهِ، فَإِنَّهُ إذَا حُرِّمَتْ الْأُخْتُ فَالْبِنْتُ أُولَى، وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ ثَبَتَ تَحْرِيمُهُنَّ بِالسُّنَّةِ. وَتَثْبُتُ الْمَحْرَمِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا فَرْعٌ عَلَى التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، فَأَمَّا بَقِيَّةُ أَحْكَامِ النَّسَبِ؛ مِنْ النَّفَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْهُ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، وَإِنَّمَا يُشَبَّه بِهِ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِ.
(6409) مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالرَّضَاعُ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِي تَحْرِيمِهِ، أَنْ يَكُونَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَصَاعِدًا) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَتَانِ: (6410) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى، أَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ فَصَاعِدًا. هَذَا الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَمَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَزَعَمَ اللَّيْثُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ فِي الْمَهْدِ مَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ. وَاحْتَجُّوا بُقُولِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] . وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» .