تَقُولُونَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا، إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا؟ فَكَيْفَ تُحْبَسُ امْرَأَةٌ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ عُمَرَ قَالَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا.
فَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ وَلَكِنَّهُ قَالَ: لَا نُجِيزُ فِي دِينِنَا قَوْلَ امْرَأَةٍ. وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ أَخَذْنَا بِخَبَرِ فُرَيْعَةَ، وَهِيَ امْرَأَةٌ، وَبِرِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَصَارَ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَى خَبَرِ فَاطِمَةَ هَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، مِثْلَ سُقُوطِ نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَنَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الرِّجَالِ، وَخِطْبَةِ الرَّجُلِ، عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا لَمْ تَكُنْ سَكَنَتْ إلَى الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا تَأْوِيلُ مِنْ تَأَوَّلَ حَدِيثَهَا، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهَا تُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ أَعْلَمُ بِحَالِهَا، وَلَمْ يَتَّفِقْ الْمُتَأَوِّلُونَ عَلَى شَيْءٍ، وَقَدْ رُدَّ عَلَى مَنْ رَدَّ عَلَيْهَا، فَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، لَمَّا قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ: لَئِنْ كَانَتْ إنَّمَا أَخَذَتْ بِمَا أَفْتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فَتَنَتْ النَّاسَ، وَإِنَّ لَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةً حَسَنَةً، مَعَ أَنَّهَا أَحْرَمُ النَّاسِ عَلَيْهِ، لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، وَلَا بَيْنهمَا مِيرَاثٌ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ: إنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ. لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَةَ آلِ قَيْسٍ، إنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ مَا كَانَ لِزَوْجِك عَلَيْك الرَّجْعَةُ» . هَكَذَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَالْأَثْرَمُ. وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ التَّأْوِيلِ، مَا احْتَاجَ عُمَرُ فِي رَدِّهِ إلَى أَنْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّهُ قَوْلُ امْرَأَةٍ.
ثُمَّ فَاطِمَةُ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ، وَهِيَ أَعْرَفُ بِنَفْسِهَا وَبِحَالِهَا، وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا، وَرَدَّتْ عَلَى مِنْ رَدَّ خَبَرَهَا، أَوْ تَأَوَّلَهُ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُ قَوْلِهَا؛ لِمَعْرِفَتِهَا بِنَفْسِهَا، وَمُوَافَقَتِهَا ظَاهِرَ الْخَبَرِ، كَمَا فِي سَائِرِ مَا هَذَا سَبِيلُهُ.
(6403) فَصْلٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَسْكُنُهُ فِي الطَّلَاقِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: لَهَا السُّكْنَى. أَوْ لَمْ نَقُلْ، بَلْ يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْن إقْرَارِهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ، وَبَيْنَ نَقْلِهَا إلَى مَسْكَنِ مِثْلِهَا، وَالْمُسْتَحَبُّ إقْرَارُهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] .
وَلِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ الَّذِينَ ذَكَرْنَا عَنْهُمْ أَنَّ لَهَا السُّكْنَى، يَرَوْنَ وُجُوبَ الِاعْتِدَادِ عَلَيْهَا فِي مَنْزِلِهَا، فَإِنْ كَانَتْ فِي بَيْتٍ يَمْلِكُ الزَّوْجُ سُكْنَاهُ، وَيَصْلُحُ لِمِثْلِهَا، اعْتَدَّتْ فِيهِ، فَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا، انْتَقَلَ عَنْهَا وَتَرَكَهُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ سُكْنَاهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ، وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَوْضِعُ لَهُمَا، وَفِي الدَّارِ مَوْضِعٌ لَهَا مُنْفَرِدٌ كَالْحُجْرَةِ أَوْ عُلْوِ الدَّارِ أَوْ سُفْلِهَا، وَبَيْنهمَا بَابٌ مُغْلَقٌ، سَكَنَتْ فِيهِ، وَسَكَنَ الزَّوْجُ فِي الْبَاقِي، لِأَنَّهُمَا