وَلَنَا أَنَّهُ إذَا قَذَفَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُجْزِئُ حَدٌّ وَاحِدٌ، أَنَّهُ يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي قَذْفِهِ، وَبَرَاءَةُ عِرْضِهِمَا مِنْ رَمْيِهِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ، فَأَجْزَأَ، كَمَا لَوْ كَانَ الْقَذْفُ لَوَاحِدٍ. وَإِذَا قَذَفَهُمَا بِكَلِمَتَيْنِ، وَجَبَ حَدَّانِ؛ لِأَنَّهُمَا قَذْفَانِ لِشَخْصَيْنِ، فَوَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ، كَمَا لَوْ قَذَفَ الثَّانِي بَعْدَ حَدِّ الْأَوَّلِ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَذَفَ أَجْنَبِيَّتَيْنِ أَوْ أَجْنَبِيَّاتٍ، فَالتَّفْصِيلُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَإِنْ قَذَفَ أَرْبَعَ نِسَائِهِ، فَالْحُكْمُ فِي الْحَدِّ كَذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ اللِّعَانَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُلَاعِنَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لِعَانًا مُفْرَدًا، وَيَبْدَأُ بِلِعَانِ الَّتِي تَبْدَأُ بِالْمُطَالَبَةِ، فَإِنْ طَالَبْنَ جَمِيعًا، وَتَشَاحَحْنَ، بَدَأَ بِإِحْدَاهُنَّ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَشَاحَحْنَ، بَدَأَ بِلِعَانِ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَلَوْ بَدَأَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ مَعَ الْمُشَاحَّةِ صَحَّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَاتِي هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ مِنْ الزِّنَا. وَتَقُولُ كُلُّ وَاحِدَةٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَى. لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ أَيْمَانٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ لِجَمَاعَةٍ، كَالْأَيْمَانِ فِي الدُّيُونِ.
(6293) فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ. فَقَدْ قَذَفَهَا، وَقَذَفَ أُمَّهَا بِكَلِمَتَيْنِ، وَالْحُكْمُ فِي الْحَدِّ لَهُمَا عَلَى مَا مَضَى مِنْ التَّفْصِيلِ فِيهِ، فَإِنْ اجْتَمَعَا فِي الْمُطَالَبَةِ، فَفِي أَيَّتِهِمَا يُقَدَّمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الْأُمُّ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا آكَدُ، لِكَوْنِهِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّ لَهَا فَضِيلَةَ الْأُمُومَةِ. وَالثَّانِي، تَقْدِيمُ الْبِنْتُ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِقَذْفِهَا. وَمَتَى حُدَّ لِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِلْأُخْرَى، لَمْ يُحَدَّ حَتَّى يَبْرَأَ جِلْدُهُ مِنْ حَدِّ الْأُولَى. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْحَدَّ هَاهُنَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، فَلَمْ لَا يُوَالَى بَيْنَهُمَا كَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلَيْنِ، قَطَعْنَا يَدَيْهِ لَهُمَا، وَلَمْ نُؤَخِّرْهُ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ قَبْلَ إقَامَةِ حَدِّهِ، فَالْمُوَالَاةُ بَيْنَ حَدَّيْنِ فِيهِ تُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، وَالْقِصَاصُ يَجُوزُ أَنْ تُقْطَعَ الْأَطْرَافُ كُلُّهَا فِي قِصَاصٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا جَازَ لِوَاحِدٍ، فَلِاثْنَيْنِ أَوْلَى.
(6294) فَصْلٌ: وَإِنْ قَذَفَ مُحْصَنًا مَرَّاتٍ، فَحَدٌّ وَاحِدٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، سَوَاءٌ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ، أَوْ كَرَّرَ الْقَذْفَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا حَدَّانِ تَرَادَفَ سَبَبُهُمَا، فَتَدَاخَلَا، كَالزِّنَا مِرَارًا. وَإِنْ قَذَفَهُ فَحُدَّ لَهُ، ثُمَّ قَذَفَهُ مَرَّةً أُخْرَى بِذَلِكَ الزِّنَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُحُقِّقَ كَذِبُهُ فِيهِ بِالْحَدِّ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إظْهَارِ كَذِبِهِ فِيهِ ثَانِيًا، وَلَمَّا جَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ حِينَ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَعَادَ قَذْفَهُ، فَهَمَّ عُمَرُ بِإِعَادَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنْ جَلَدْتَهُ فَارْجُمْ