[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ]

(6248) فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ. فَنَقَلَ مُهَنَّا، قَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ. ثَلَاثًا، فَقَالَ: يُلَاعِنُ. قُلْت: فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: يُحَدُّ، وَلَا يَلْزَمُهَا إلَّا وَاحِدَةٌ. قَالَ: بِئْسَ مَا يَقُولُونَ. فَهَذَا يُلَاعِنُ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِبَيْنُونَتِهَا، فَأَشْبَهَ قَذْفَ الرَّجْعِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ؛ لِنَفْيِهِ، وَإِلَّا حُدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إضَافَةُ الْقَذْفِ إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ؛ لِاسْتِحَالَةِ الزِّنَا مِنْهَا بَعْدَ طَلَاقِهِ لَهَا، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا بَعْدَ إبَانَتِهَا: زَنَيْت إذْ كُنْت زَوْجَتِي. عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ.

[فَصْل كُلَّ قَذْفٍ لِلزَّوْجَةِ يَجِبُ بِهِ اللِّعَانُ]

(6249) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ كُلَّ قَذْفٍ لِلزَّوْجَةِ يَجِبُ بِهِ اللِّعَانُ، سَوَاءٌ قَالَ لَهَا: زَنَيْت. أَوْ: رَأَيْتُك تَزْنِينَ. سَوَاءٌ كَانَ الْقَاذِفُ أَعْمًى أَوْ بَصِيرًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَمَالِكٌ: لَا يَكُونُ اللِّعَانُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا رُؤْيَةٍ، وَإِمَّا إنْكَارٍ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ آيَةَ اللِّعَانِ نَزَلَتْ فِي هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَكَانَ قَالَ: رَأَيْت بِعَيْنَيَّ، وَسَمِعْت بِأُذُنَيَّ. فَلَا يَثْبُتُ اللِّعَانُ إلَّا فِي مِثْلِهِ.

وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ. وَهَذَا رَامٍ لِزَوْجَتِهِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ مَعْنًى يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ مُوجَبِ الْقَذْفِ، فَيُشْرَعُ فِي حَقِّ كُلِّ رَامٍ لِزَوْجَتِهِ، كَالْبَيِّنَةِ. وَالْأَخْذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ خُصُوصِ السَّبَبِ، ثُمَّ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَسَمِعْت بِأُذُنَيَّ. وَسَوَاءٌ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي الْقُبُلِ أَوْ فِي الدُّبُرِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَثْبُتُ اللِّعَانُ بِالْقَذْفِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ. وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ، فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ. وَلَنَا، أَنَّهُ رَامٍ لِزَوْجَتِهِ بِوَطْءٍ فِي فَرْجِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَذَفَهَا بِالْوَطْءِ فِي قُبُلِهَا. وَأَمَّا إنْ قَذَفَهَا بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْفَوَاحِشِ غَيْرِ الزِّنَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِمَا لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ، كَمَا لَوْ قَذَفَهَا بِضَرْبِ النَّاسِ وَأَذَاهُمْ.

[فَصْلُ قَذَفَ زَوْجَتَهُ الْمُحْصَنَةَ]

(6250) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ إذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ الْمُحْصَنَةَ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَحُكِمَ بِفِسْقِهِ، وَرَدِّ شَهَادَتِهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ يُلَاعِنَ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ اللِّعَانِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ، فَإِنْ أَبَى حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6] الْآيَاتِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015