يَفْعَلْ، أُمِرَ بِالطَّلَاقِ. وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهِ، أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا، أُمِرَ بِفَيْئَةِ الْمَعْذُورِ. وَإِنْ انْقَضَتْ وَهُوَ غَائِبٌ، وَالطَّرِيقُ آمِنٌ، فَلَهَا أَنْ تُوَكِّلَ مَنْ يُطَالِبُهُ بِالْمَسِيرِ إلَيْهَا، أَوْ حَمْلِهَا إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، أُخِذَ بِالطَّلَاقِ. وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا، أَوْ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ، فَاءَ فَيْئَةَ الْمَعْذُورِ.
(6146) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ لَمْ يُطَالَبْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْخِطَابِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْجَوَابُ، وَتَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ إلَى حَالِ الْقُدْرَةِ، وَزَوَالِ الْعُذْرِ، ثُمَّ يُطَالَبُ حِينَئِذٍ. وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا، وَقُلْنَا: يَصِحُّ إيلَاؤُهُ. فَاءَ فَيْئَةَ الْمَعْذُورِ، فَيَقُولُ: لَوْ قَدَرْت جَامَعْتُهَا.
(6147) فَصْلٌ: وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، فَادَّعَى أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْوَطْءِ، فَإِذَا كَانَ قَدْ وَطِئَهَا مَرَّةً، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ الْعُنَّةَ، كَمَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ بِالْفَيْئَةِ، أَوْ بِالطَّلَاقِ، كَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا، وَلَمْ تَكُنْ حَالُهُ مَعْرُوفَةً، فَقَالَ الْقَاضِي: تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّعْنِينَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا يَقِفُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. وَلَهَا أَنْ تَسْأَلَ الْحَاكِمَ، فَيَضْرِبَ لَهُ مُدَّةَ الْعُنَّةِ بَعْدَ أَنْ يَفِيءَ فَيْئَةَ أَهْلِ الْأَعْذَارِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي دَعْوَى مَا يُسْقِطُ عَنْهُ حَقًّا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِهِ، وَالْأَصْلُ سَلَامَتُهُ مِنْهُ. وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَهَا مَرَّةً، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِضَرْبِ مُدَّةِ الْعُنَّةِ، لِاعْتِرَافِهَا بِعَدَمِ عُنَّتِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْإِصَابَةِ.
(6148) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَمَتَى قَدَرَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، أُمِرَ بِالطَّلَاقِ) وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُولِيَ إذَا وُقِفَ، وَطُولِبَ بِالْفَيْئَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَفْعَلْ، أُمِرَ بِالطَّلَاقِ. وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ يَقُولُ: يُوقَفُ الْمُولِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] . فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَقَدْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، فَيُؤْمَرُ بِالتَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ. وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا، فَفَاءَ بِلِسَانِهِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْوَطْءِ، أُمِرَ بِهِ، فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا أُمِرَ بِالطَّلَاقِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا فَاءَ بِلِسَانِهِ، لَمْ يُطَالَبْ بِالْفَيْئَةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَخَرَجَ مِنْ الْإِيلَاءِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَاءَ مَرَّةً، فَخَرَجَ مِنْ الْإِيلَاءِ، وَلَمْ تَلْزَمْهُ فَيْئَةٌ ثَانِيَةٌ، كَمَا لَوْ فَاءَ بِالْوَطْءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُسْتَأْنَفُ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَفَّاهَا حَقَّهَا بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْفَيْئَةِ، فَلَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْنَافِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا.