وَالثَّانِيَةُ، لَا تَطْلُقُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِي رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَقَالَ: فُلَانَةُ أَنْتِ طَالِقٌ. فَالْتَفَتَتْ، فَإِذَا هِيَ غَيْرُ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا، قَالَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ: يَطْلُقَانِ.
وَالْحَسَنُ يَقُولُ: تَطْلُقُ الَّتِي نَوَى. قِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: تَطْلُقُ الَّتِي نَوَى. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهَا بِالطَّلَاقِ، فَلَمْ تَطْلُقْ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ طَاهِرٌ. فَسَبَقَ لِسَانُهُ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ كَلَامُ أَحْمَدَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَطْلُقُ الْمُجِيبَةُ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِالطَّلَاقِ، فَطَلُقَتْ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهَا، وَلَا تَطْلُقُ الْمَنْوِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَمْ تَعْتَرِفْ بِطَلَاقِهَا، وَهَذَا يَبْطُلُ بِمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُجِيبَةَ عَمْرَةُ، فَإِنَّ الْمَنْوِيَّةَ تَطْلُقُ بِإِرَادَتِهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَطْلُقْ بِالِاعْتِرَافِ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِمَا لَا يُوجِبُ لَا يُوجِبُ، وَلِأَنَّ الْغَائِبَةَ مَقْصُودَةٌ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، فَطَلُقَتْ كَمَا لَوْ عِلْمَ الْحَالَ. (5870) فَصْلٌ: وَإِنْ أَشَارَ إلَى عَمْرَةَ، فَقَالَ: يَا حَفْصَةُ، أَنْتِ طَالِقٌ. وَأَرَادَ طَلَاقَ عَمْرَةَ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى نِدَاءِ حَفْصَةَ، طَلُقَتْ عَمْرَةُ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِلَفْظِهِ إلَّا طَلَاقَهَا، وَإِنَّمَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِ مَا أَرَادَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَاهِرٌ. فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى أَنْتِ طَالِقٌ.
وَإِنْ أَتَى بِاللَّفْظِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهَا عَمْرَةُ، طَلُقَتَا مَعًا، عَمْرَةُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا، وَإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا، وَحَفْصَةُ بِنِيَّتِهِ، وَبِلَفْظِهِ بِهَا. وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهَا حَفْصَةُ، طَلُقَتْ حَفْصَةُ، وَفِي عَمْرَةَ رِوَايَتَانِ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
(5871) فَصْلٌ: وَإِنْ لَقِيَ أَجْنَبِيَّةً، ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ، فَقَالَ: فُلَانَةُ أَنْتِ طَالِقٌ. فَإِذَا هِيَ أَجْنَبِيَّةٌ، طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِالطَّلَاقِ غَيْرَهَا، فَلَمْ يَقَعْ، كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. وَلَنَا، أَنَّهُ قَصَدَ زَوْجَتَهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، فَطَلُقَتْ، كَمَا لَوْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَأَرَدْت طَلَاقَ زَوْجَتِي. وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ زَوْجَتِهِ، احْتَمَلَ؛ وَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَصَدَ امْرَأَتَهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا تَطْلُقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا ذَكَرَ اسْمَهَا مَعَهُ. وَإِنْ عَلِمَهَا أَجْنَبِيَّةً، وَأَرَادَ بِالطَّلَاقِ زَوْجَتَهُ، طَلُقَتْ. وَإِنْ لَمْ يُرِدْهَا بِالطَّلَاقِ، لَمْ تَطْلُقْ.