اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مُرْهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ مَسَّهَا، حَتَّى إذَا طَهُرَتْ أُخْرَى، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا» . رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَمِنْهَا، أَنَّهُ عُوقِبَ عَلَى إيقَاعِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُحَرَّمِ بِمَنْعِهِ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ. وَذَكَرَ غَيْرَ هَذَا. فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَهُوَ طَلَاقُ سُنَّةٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَهَذَا مُطَلِّقٌ لِلْعِدَّةِ، فَيَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ. وَقَدْ رَوَى يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ. وَلَمْ يَذْكُرُوا تِلْكَ الزِّيَادَةَ» . وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ طُهْرٌ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ، فَأَشْبَهَ الثَّانِيَ، وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
(5819) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، كَانَ أَيْضًا لِلسُّنَّةِ، وَكَانَ تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي جَمْعِ الثَّلَاثِ؛ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَدَاوُد، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالشَّعْبِيِّ «؛ لِأَنَّ عُوَيْمِرَ الْعَجْلَانِيَّ لَمَّا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ، قَالَ: كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي، فَبِتَّ طَلَاقِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ زَوْجَهَا أَرْسَلَ إلَيْهَا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَات. وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ جَازَ تَفْرِيقُهُ، فَجَازَ جَمْعُهُ، كَطَلَاقِ النِّسَاءِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ طَلَاقُ بِدْعَةٍ، مُحَرَّمٌ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ،. قَالَ عَلِيٌّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يُطَلِّقُ أَحَدٌ لِلسُّنَّةِ فَيَنْدَمُ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يُطَلِّقُهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ يَدَعُهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَحِيضَ ثَلَاثَ حَيْض، فَمَتَى شَاءَ رَاجَعَهَا،. وَعَنْ، عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أُتِيَ بِرَجُلٍ طَلَّقَ ثَلَاثًا، أَوْجَعَهُ ضَرْبًا.
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا. فَقَالَ: إنَّ عَمَّك عَصَى اللَّهَ، وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ، فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلَى قَوْلِهِ {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] . ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] . وَمَنْ جَمَعَ الثَّلَاثَ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَمْرٌ يَحْدُثُ، وَلَا يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا وَلَا مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا.
وَرَوَى النَّسَائِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ . حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَقْتُلُهُ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا؟ قَالَ: إذَا عَصَيْت رَبَّك، وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك» . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «سَمِعَ النَّبِيُّ