: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَإِنَّمَا يَكُونُ مُبْغَضًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَالًا، وَلِأَنَّهُ مُزِيلٌ لِلنِّكَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَصَالِحِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا، فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. وَالثَّالِثُ، مُبَاحٌ، وَهُوَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِسُوءِ خُلُقِ الْمَرْأَةِ، وَسُوءِ عِشْرَتِهَا، وَالتَّضَرُّرِ بِهَا مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا. وَالرَّابِعُ، مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَهُوَ عِنْد تَفْرِيطِ الْمَرْأَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا، مِثْلُ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ إجْبَارُهَا عَلَيْهَا، أَوْ تَكُونُ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ عَفِيفَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي لَهُ إمْسَاكُهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا لِدِينِهِ، وَلَا يَأْمَنُ إفْسَادَهَا لِفِرَاشِهِ، وَإِلْحَاقَهَا بِهِ وَلَدًا لَيْسَ هُوَ مِنْهُ، وَلَا بَأْسَ بِعَضْلِهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا؛ لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ وَاجِبٌ. وَمِنْ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي حَالِ الشِّقَاقِ، وَفِي الْحَالِ الَّتِي تُحْوِجُ الْمَرْأَةَ إلَى الْمُخَالَعَةِ لِتُزِيلَ عَنْهَا الضَّرَرَ. وَأَمَّا الْمَحْظُورُ، فَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَكُلِّ الْأَعْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَيُسَمَّى طَلَاقَ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ خَالَفَ السُّنَّةَ، وَتَرَكَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»
وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَهِيَ حَائِضٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتْبِعَهَا بِتَطْلِيقَتَيْنِ آخِرَتَيْنِ عِنْدَ الْقُرْأَيْنِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ؛ إنَّك أَخْطَأْت السُّنَّةَ، وَالسُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ، فَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ.» وَلِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ طَوَّلَ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا لَا تُحْسَبُ مِنْ عِدَّتِهَا، وَلَا الطُّهْرَ الَّذِي بَعْدَهَا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضَ، وَإِذَا طَلَّقَ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، لَمْ يَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيَنْدَمَ، وَتَكُونَ مُرْتَابَةً لَا تَدْرِي أَتَعْتَدُّ بِالْحَمْلِ أَوْ الْأَقْرَاءِ؟
(5815) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَطَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَاحِدَةً، ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا)