وَلَنَا، أَنَّهَا رَشِيدَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهَا قَبْضُ صَدَاقِهَا، كَالثَّيِّبِ، أَوْ عِوَضٌ مَلَكَتْهُ وَهِيَ رَشِيدَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهَا قَبْضُهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا، كَثَمَنِ مَبِيعِهَا، وَأَجْرِ دَارِهَا. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ، سَلَّمَهُ إلَى وَلِيِّهَا فِي مَالِهَا، مِنْ أَبِيهَا، أَوْ وَصِيِّهِ، أَوْ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهَا، فَهُوَ كَثَمَنِ مَبِيعِهَا، وَأَجْرِ دَارِهَا.
(5634) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَفْعُ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ، إذَا كَانَ مِثْلُهَا لَا يُوطَأُ، أَوْ مُنِعَ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ، لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا؛ لِصِغَرِهَا، فَطَلَبَ وَلِيُّهَا تَسَلُّمَهَا، وَالْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا، لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ، وَهَذِهِ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا. وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَمَنَعَتْهُ نَفْسَهَا، أَوْ مَنَعَهَا أَوْلِيَاؤُهَا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النَّاشِزِ؛ لِكَوْنِهَا لَمْ تُسَلِّمْ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا، فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ.
وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ، لَزِمَهُ تَسْلِيمُ الصَّدَاقِ الْحَالِّ إذَا طُولِبَ بِهِ. فَأَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فِيهِ، كَالصَّغِيرَةِ، وَالْمَانِعَةِ نَفْسَهَا، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ: يَجِبُ تَسْلِيمُ الصَّدَاقِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ الْبُضْعِ، وَقَدْ مَلَكَهُ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ. وَرَدَّ قَوْمٌ هَذَا وَقَالُوا: الْمَهْرُ قَدْ مَلَكَتْهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا مَلَكَهُ مِنْ بُضْعِهَا، فَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالِاسْتِيفَاءِ إلَّا عِنْدَ إمْكَانِ الزَّوْجِ اسْتِيفَاءَ الْعِوَضِ.
(5635) فَصْلٌ: وَإِمْكَانُ الْوَطْءِ فِي الصَّغِيرَةِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِهَا وَاحْتِمَالِهَا لِذَلِكَ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ يَخْتَلِفْنَ، فَقَدْ تَكُونُ صَغِيرَةَ السِّنِّ تَصْلُحُ، وَكَبِيرَةً لَا تَصْلُحُ. وَحَدَّهُ أَحْمَدُ بِتِسْعِ سِنِينَ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فِي الصَّغِيرَةِ يَطْلُبُهَا زَوْجُهَا: فَإِنْ أَتَى عَلَيْهَا تِسْعُ سِنِينَ، دُفِعَتْ إلَيْهِ، لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوهَا بَعْدَ التِّسْعِ. وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنَى بِعَائِشَةَ وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ التَّحْدِيدِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ ابْنَةَ تِسْعٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَمَتَى كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لِلْوَطْءِ، لَمْ يَجِبْ عَلَى أَهْلِهَا تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ، وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَحْضُنُهَا وَيُرَبِّيهَا وَلَهُ مَنْ يَخْدِمُهَا، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَلَيْسَتْ لَهُ بِمَحِلٍّ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرَهُ نَفْسِهِ إلَى مُوَاقَعَتِهَا، فَيَفُضُّهَا أَوْ يَقْتُلُهَا.
وَإِنْ طَلَبَ أَهْلُهَا دَفْعَهَا إلَيْهِ، فَامْتَنَعَ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْهَا. وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً إلَّا أَنَّهَا مَرِيضَةٌ مَرَضًا مَرْجُوَّ الزَّوَالِ، لَمْ يَلْزَمْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا قَبْلَ بَرِئَهَا؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مَرْجُوُّ