مَا قَضَيْت» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَصْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ دُونَ الصَّدَاقِ فَصَحَّ مِنْ غَيْرِهِ ذِكْرُهُ كَالنَّفَقَةِ.
وَسَوَاءٌ تَرَكَا ذِكْرَ الْمَهْرِ، أَوْ شَرَطَا نَفْيَهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ. فَيَقْبَلُهُ كَذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ فِي الْحَالِ، وَلَا فِي الثَّانِي. صَحَّ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّهَا تَكُونُ كَالْمَوْهُوبَةِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ فِيمَا إذَا قَالَ: زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ. فَيَصِحُّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَمَا صَحَّ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ، صَحَّ فِي الْأُخْرَى.
وَلَيْسَتْ كَالْمَوْهُوبَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَفْسُدُ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْمُزَوَّجَةَ بِغَيْرِ مَهْرٍ تُسَمَّى مُفَوِّضَةً، بِكَسْرِ الْوَاو وَفَتْحِهَا، فَمِنْ كَسَرَ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا فَاعِلَةٌ، مِثْلُ مُقَوِّمَةٍ، وَمِنْ فَتَحَ أَضَافَهُ إلَى وَلِيِّهَا. وَمَعْنَى التَّفْوِيضِ الْإِهْمَالُ، كَأَنَّهَا أَهْمَلَتْ أَمْرَ الْمَهْرِ، حَيْثُ لَمْ تُسَمِّهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِر:
لَا يُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
يَعْنِي مُهْمَلِينَ.
وَالتَّفْوِيضُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ تَفْوِيضُ بُضْعٍ، وَتَفْوِيضُ مَهْرٍ. فَأَمَّا تَفْوِيضُ الْبُضْعِ، فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ، وَفَسَّرْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إطْلَاقُ التَّفْوِيضِ، وَأَمَّا تَفْوِيضُ الْمَهْرِ، فَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الصَّدَاقَ إلَى رَأْيِ أَحَدِهِمَا، أَوْ رَأْيِ أَجْنَبِيٍّ، فَيَقُولُ: زَوَّجْتُك عَلَى مَا شِئْت، أَوْ عَلَى حُكْمِك أَوْ عَلَى حُكْمِي، أَوْ حُكْمِهَا، أَوْ حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ. وَنَحْوِهِ. فَهَذِهِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، فِي ظَاهِرِ