(5539) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِنْ اعْتَرَفَتْ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً، بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عِنِّينًا. أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا، يَقُولُونَ: مَتَى وَطِىءَ امْرَأَتَهُ مَرَّةً، ثُمَّ ادَّعَتْ عَجْزَهُ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا، وَلَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ، مِنْهُمْ؛ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالْحَسَنُ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ هَاشِمٍ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إنْ عَجَزَ عَنْ وَطْئِهَا أُجِّلَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ وَطْئِهَا، فَثَبَتَ حَقُّهَا، كَمَا لَوْ جُبَّ بَعْدَ الْوَطْءِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي هَذَا النِّكَاحِ، وَزَوَالُ عُنَّتِهِ، فَلَمْ تُضْرِبْ لَهُ مُدَّةٌ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْجِزْ، وَلِأَنَّ حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ، مِنْ اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ، تَثْبُتُ بِوَطْءِ وَاحِدٍ، وَقَدْ وُجِدَ. وَأَمَّا الْجَبُّ، فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِهِ الْعَجْزُ فَافْتَرَقَا.
(5540) فَصْلٌ: وَالْوَطْءُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُنَّةِ، هُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ، فَكَانَ وَطْئًا صَحِيحًا، فَإِنْ كَانَ الذَّكَرُ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُنَّةِ إلَّا بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ هَاهُنَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ، فَاعْتُبِرَ تَغْيِيبُ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ حُصُولُ حُكْمِ الْوَطْءِ. وَالثَّانِي، يُعْتَبَرُ تَغْيِيبُ قَدْرِ الْحَشَفَةِ، لِيَكُونَ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْمَقْطُوعِ مِثْلُ مَا يُجْزِئُ مِنْ الصَّحِيحِ
وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ كَهَذَيْنِ. (5541) فَصْلٌ: وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُنَّةِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْوَطْءِ، فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِحْلَالُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَلَا الْإِحْصَانُ. وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْقُبُلِ حَائِضًا، أَوْ نُفَسَاءَ، أَوْ مُحْرِمَةً، أَوْ صَائِمَةً، خَرَجَ عَنْ الْعُنَّةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْعُنَّةِ؛ لِنَصِّ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَالْإِبَاحَةُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ، أَشْبَهَ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ
وَلَنَا، أَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَحَلِّ الْوَطْءِ، فَخَرَجَ بِهِ عَنْ الْعُنَّةِ، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ يَضُرُّهَا الْوَطْءُ، وَلِأَنَّ الْعُنَّةَ الْعَجْزُ عَنْ الْوَطْءِ، وَلَا يَبْقَى مَعَ وُجُودِ الْوَطْءِ، فَإِنَّ الْعَجْزَ ضِدُّ الْقُدْرَةِ، فَلَا يَبْقَى مَعَ وُجُودِ ضِدِّهِ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ تِلْكَ أَحْكَامٌ يَجُوزُ أَنْ تَنْتَفِيَ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهَا لِمَانِعٍ، أَوْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ، وَالْعُنَّةُ فِي نَفْسِهَا أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ، لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ مَعَ انْتِفَائِهِ
فَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ، فَلَيْسَ بِوَطْءٍ فِي مَحَلِّهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ تَنْتَفِي بِهِ الْعُنَّةُ؛ لِأَنَّهُ أَصْعَبُ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى غَيْرِهِ أُقْدَرُ.
(5542) فَصْلٌ: وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً، لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ الْعُنَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهَا. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُنَّةِ فِي حَقِّ جَمِيعِ النِّسَاءِ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا. وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُخْتَبَرُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أُخْرَى. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُنَّةَ خِلْقَةٌ وَجِبِلَّةٌ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ النِّسَاءِ، فَإِذَا انْتَفَتْ فِي حَقِّ امْرَأَةٍ، لَمْ تَبْقَ فِي حَقِّ غَيْرِهَا
وَلَنَا، أَنَّ حُكْمَ كُلِّ امْرَأَةٍ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ فِي حَقِّهِنَّ، فَرَضِيَ بَعْضُهُنَّ، سَقَطَ حَقُّهَا