فَصْلٌ: وَلَوْ زَوَّجَ أَمَةً قِيمَتُهَا عَشْرَةٌ بِصَدَاقٍ عِشْرِينَ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا، ثُمَّ مَاتَ، وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَغَيْرَ مَهْرِهَا بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ، عَتَقَتْ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَهَا الْخِيَارُ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ، عَتَقَ ثُلُثُهَا فِي الْحَالِ. وَفِي الْخِيَارِ لَهَا وَجْهَانِ، فَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ مَهْرِهَا شَيْءٌ عَتَقَ مِنْهَا بِقَدْرِ ثُلُثِهِ، فَإِذَا اُسْتُوْفِيَ كُلُّهُ عَتَقَتْ كُلُّهَا، وَلَهَا الْخِيَارُ حِينَئِذٍ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ لَهَا الْخِيَارَ قَبْلَ ذَلِكَ
فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا قَدْ وَطِئَهَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا، فَقَدْ بَطَلَ خِيَارُهَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ بِتَمْكِينِهِ مِنْ وَطْئِهَا. وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْهُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَكَّنَتْ مِنْهُ قَبْلَ عِتْقِهَا. فَأَمَّا إنْ عَتَقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، فَلَا خِيَارَ لَهَا، عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ فَسْخَهَا النِّكَاحَ يَسْقُطُ بِهِ صَدَاقُهَا، فَيَعْجِزُ الثُّلُثُ عَنْ كَمَالِ قِيمَتِهَا، فَيَرِقُّ ثُلُثَاهَا، وَيَسْقُطُ خِيَارُهَا، فَيُفْضِي إثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا إلَى إسْقَاطِهِ، فَيَسْقُطُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، لَهَا الْخِيَارُ. فَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ لِسَيِّدِهَا نِصْفَ الْمَهْرِ، فَإِذَا اُسْتُوْفِيَ عَتَقَ ثُلُثَاهَا، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَهُ، يَعْتِقُ ثُلُثُهَا.
(5524) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ، وَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ اخْتَارَتْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ
وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُعْتَقَةَ إنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَالْمَهْرُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، فَإِذَا اخْتَارَتْ الْمُقَامَ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مُسْقِطٌ، وَإِنْ فَسَخَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَقَدْ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِشَيْءٍ، وَهُوَ لِلسَّيِّدِ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فِي مِلْكِهِ، وَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى فِي الْحَالَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الدُّخُولُ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ كَانَ الدُّخُولُ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ اسْتَنَدَ إلَى حَالَةِ الْعِتْقِ، فَصَارَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ، فِيهِ مُسَمًّى صَحِيحٌ، اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ قَبْلَ الْفَسْخِ، فَأَوْجَبَ الْمُسَمَّى، كَمَا لَوْ لَمْ يُفْسَخْ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْفَسْخِ، لَكَانَ الْمَهْرُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ حِينَئِذٍ
وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْوَطْءَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ صَحِيحًا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُفْسِدُهُ، وَيَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، مِنْ الْإِحْلَالِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَالْإِحْصَانِ، وَكَوْنِهِ حَلَالًا. وَأَمَّا إنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا مَهْرَ لَهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، لِلسَّيِّدِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ.