عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذُهَلِ بْنِ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دَعْمِيِّ بْنِ جُدَيْلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ، يَلْتَقِي نَسَبُهُ وَنَسَبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِزَارٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَلَدِ مُضَرَ بْنِ نِزَارٍ، وَأَحْمَدُ مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: وُلِدْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَمَاتَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ بِمَرْوٍ، وَوَلَدَتْهُ بِبَغْدَادَ، وَنَشَأَ بِهَا، وَسَافَرَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَسْفَارًا كَثِيرَةً، ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَغْدَادَ، وَتُوُفِّيَ بِهَا، بَعْدَ أَنْ سَادَ أَهْلُ عَصْرِهِ، وَنَصَرَ اللَّهُ بِهِ دِينَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: لَيْسَ فِي شَرْقٍ وَلَا غَرْبٍ مِثْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، رَحْمَةُ اللَّهِ وَرِضْوَانُهُ عَلَيْهِ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إمَامٌ فِي ثَمَانِ خِصَالٍ؛ إمَامٌ فِي الْحَدِيثِ، إمَامٌ فِي الْفِقْهِ، إمَامٌ فِي الْقُرْآنِ، إمَامٌ فِي اللُّغَةِ، إمَامٌ فِي الْفَقْرِ، إمَامٌ فِي الزُّهْدِ، إمَامٌ فِي الْوَرَعِ، إمَامٌ فِي السُّنَّةِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ فِيهِ، وَهُوَ صَغِيرٌ: لَقَدْ كَادَ هَذَا الْغُلَامُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَيْرِ بْنُ النَّحَّاسِ الرَّمْلِيُّ، وَذَكَرَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَا كَانَ أَصْبَرَهُ، وَبِالْمَاضِينَ مَا كَانَ أَشَبَهَهُ، وَبِالصَّالِحِينَ مَا كَانَ أَلْحَقَهُ، عُرِضَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَبَاهَا، وَالْبِدَعُ فَنَفَاهَا، وَاخْتَصَّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِنَصْرِ دِينِهِ، وَالْقِيَامِ بِحِفْظِ سُنَّتِهِ، وَرَضِيَهُ لِإِقَامَةِ حُجَّتِهِ، وَنَصْرِ كَلَامِهِ حِينَ عَجَزَ عَنْهُ النَّاسُ. قِيلَ لِبِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ، حِينَ ضَرَبَ أَحْمَدَ: يَا أَبَا نَصْرٍ، لَوْ أَنَّكَ خَرَجْتَ فَقُلْتَ: إنِّي عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ؟ فَقَالَ بِشْرٌ: أَتُرِيدُونَ أَنْ أَقُومَ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ؟ إنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَدْ قَامَ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ الوسي: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عِنْدَنَا الْمَثَلَ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّهُ كَائِنٌ فِي أُمَّتِي مَا كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، حَتَّى إنَّ الْمِنْشَارَ لَيُوضَعُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ أَحَدِهِمْ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ» ، وَلَوْلَا أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قَامَ بِهَذَا الشَّأْنِ لَكَانَ عَارًا وَشَنَارًا عَلَيْنَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَنَّ قَوْمًا سُئِلُوا فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَفَضَائِلُهُ، وَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ فِي مَدْحِهِ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِقْصَائِهِ، وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ كُتُبًا مُفْرَدَةً، وَإِنَّمَا غَرَضُنَا هَاهُنَا الْإِشَارَةُ إلَى نُكْتَةٍ مِنْ فَضْلِهِ، وَذِكْرُ نَسَبِهِ، وَمَوْلِدِهِ، وَمَبْلَغِ عُمْرِهِ، إذْ لَا يَحْسُنُ مِنْ مُتَمَسِّكٍ بِمَذْهَبِهِ، وَمُتَفَقِّهٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ، أَنْ يَجْهَلَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ إمَامِهِ.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنْ جَنَّتِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَمَلَنَا صَالِحًا، وَيَجْعَلَهُ لِوَجْهِهِ خَالِصًا، وَيَجْعَلَ سَعْيَنَا مُقَرِّبًا إلَيْهِ، مُبَلِّغًا إلَى رِضْوَانِهِ، إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ.