مُعْتِقٌ، فَيَعْقِلُ عَنْهُ، كَاَلَّذِي أَعْتَقَهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْخُذْ مِيرَاثَهُ بِالْوَلَاءِ؛ لِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِزَكَاتِهِ، وَالْعَقْلُ عَنْهُ لَيْسَ بِانْتِفَاعٍ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ وَكِيلًا فِي الْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ، فَلَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِالْوَكِيلِ وَالسَّاعِي إذَا أَعْتَقَ مِنْ الزَّكَاةِ.
(5115) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْغَارِمِينَ) وَهُمْ الْمَدِينُونَ الْعَاجِزُونَ عَنْ وَفَاءِ دُيُونِهِمْ. هَذَا الصِّنْفُ السَّادِسُ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ. وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ، وَثُبُوتِ سَهْمِهِمْ، وَأَنَّ الْمَدِينِينَ الْعَاجِزِينَ عَنْ وَفَاءِ دُيُونِهِمْ مِنْهُمْ، لَكِنْ إنْ غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْرًا، أَوْ يَصْرِفَهُ فِي زِنَاءٍ أَوْ قِمَارٍ أَوْ غِنَاءٍ وَنَحْوِهِ، لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ تَابَ، فَقَالَ الْقَاضِي: يُدْفَعُ إلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَ الدَّيْنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ، بَلْ يَجِبُ تَفْرِيغُهَا، وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْوَاجِبِ قُرْبَةٌ لَا مَعْصِيَةٌ
فَأَشْبَهَ مَنْ أَتْلَفَ مَالَهُ فِي الْمَعَاصِي حَتَّى افْتَقَرَ، فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدَانَهُ لِلْمَعْصِيَةِ، فَلَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتُبْ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَعُودَ إلَى الِاسْتِدَانَةِ لِلْمَعَاصِي، ثِقَةً مِنْهُ بِأَنَّ دَيْنَهُ يُقْضَى، بِخِلَافِ مَنْ أَتْلَفَ مَالَهُ فِي الْمَعَاصِي، فَإِنَّهُ يُعْطَى لِفَقْرِهِ، لَا لِمَعْصِيَتِهِ.
(5116) فَصْلٌ: وَلَا يُدْفَعُ إلَى غَارِمٍ كَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَلِذَلِكَ لَا يُدْفَعُ إلَى فَقِيرِهِمْ وَلَا مُكَاتَبِهِمْ. وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ مَنْعِهِ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهَا لِفَقْرِهِ صِيَانَتُهُ عَنْ أَكْلِهَا، لِكَوْنِهَا أَوْسَاخَ النَّاسِ، وَإِذَا أَخَذَهَا لِغُرْمِهِ، فَصَرَفَهَا إلَى الْغُرَمَاءِ، فَلَا يَنَالُهُ دَنَاءَةُ وَسَخِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِعُمُومِ النُّصُوصِ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ أَخْذِهَا، وَكَوْنِهَا لَا تَحِلُّ لَهُمْ، وَلِأَنَّ دَنَاءَةَ أَخْذِهَا تَحْصُلُ، سَوَاءٌ أَكَلَهَا أَوْ لَمْ يَأْكُلْهَا، وَلَا يُدْفَعُ مِنْهَا إلَى غَارِمٍ لَهُ مَا يَقْضِي بِهِ غُرْمَهُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ لِحَاجَتِهِ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا.
فَصْلٌ: وَمِنْ الْغَارِمِينَ صِنْفٌ يُعْطَوْنَ مَعَ الْغِنَى، وَهُوَ غُرْمٌ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ وَأَهْلِ الْقَرْيَتَيْنِ عَدَاوَةٌ وَضَغَائِنُ، يَتْلَفُ فِيهَا نَفْسٌ أَوْ مَالٌ، وَيَتَوَقَّفُ صُلْحُهُمْ عَلَى مَنْ يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ، فَيَسْعَى إنْسَانٌ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ، وَيَتَحَمَّلُ الدِّمَاءَ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَالْأَمْوَالَ، فَيُسَمَّى ذَلِكَ حَمَالَةً، بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَعْرِفُ