(5101) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ بِضَاعَةٌ يَتَّجِرُ بِهَا، أَوْ ضَيْعَةٌ يَسْتَغِلُّهَا تَكْفِيهِ غَلَّتُهَا، لَهُ وَلِعِيَالِهِ، فَهُوَ غَنِيٌّ، لَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ، جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا قَدْرَ مَا يُتِمُّ بِهِ الْكِفَايَةَ، وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ.
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْعَامِلِينَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَهُمْ الْجُبَاةُ لَهَا، وَالْحَافِظُونَ لَهَا) يَعْنِي الْعَامِلِينَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَهُمْ الصِّنْفُ الثَّالِثُ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ، وَهُمْ السُّعَاةُ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمْ الْإِمَامُ لِأَخْذِهَا مِنْ أَرْبَابِهَا، وَجَمْعِهَا وَحِفْظِهَا وَنَقْلِهَا، وَمَنْ يُعِينُهُمْ مِمَّنْ يَسُوقُهَا وَيَرْعَاهَا وَيَحْمِلُهَا، وَكَذَلِكَ الْحَاسِبُ وَالْكَاتِبُ وَالْكَيَّالُ وَالْوَزَّانُ وَالْعَدَّادُ، وَكُلُّ مَنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّهُ يُعْطَى أُجْرَتَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُؤْنَتِهَا، فَهُوَ كَعَلْفِهَا، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَلَى الصَّدَقَةِ سُعَاةً، وَيُعْطِيهِمْ عِمَالَتَهُمْ، «فَبَعَثَ عُمَرَ، وَمُعَاذًا، وَأَبَا مُوسَى، وَرَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، وَغَيْرَهُمْ. وَطَلَبَ مِنْهُ ابْنَا عَمِّهِ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنْ يَبْعَثَهُمَا، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ بَعَثْتنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَةِ، فَنُصِيبَ مَا يُصِيبُ النَّاسُ، وَنُؤَدِّيَ إلَيْك مَا يُؤَدِّي النَّاسُ؟ فَأَبَى أَنْ يَبْعَثَهُمَا، وَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» . وَهَذِهِ قِصَصٌ اشْتَهَرَتْ، فَصَارَتْ كَالْمُتَوَاتِرِ، وَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ، مَعَ مَا وَرَدَ مِنْ نَصِّ الْكِتَابِ فِيهِ فَأَغْنَى عَنْ التَّطْوِيلِ.
(5103) فَصْلٌ: وَمِنْ شَرْطِ الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا أَمِينًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرْبٌ مِنْ الْوِلَايَةِ، وَالْوِلَايَةُ تُشْتَرَطُ فِيهَا هَذِهِ الْخِصَالُ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا قَبْضَ لَهُمَا، وَالْخَائِنَ يَذْهَبُ بِمَالِ الزَّكَاةِ وَيُضَيِّعُهُ عَلَى أَرْبَابِهِ. وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَاضِي. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ عَلَى عَمَلٍ، فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَّاهُ الْكَافِرُ، كَجِبَايَةِ الْخَرَاجِ. وَقِيلَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. وَلَنَا، أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ الْأَمَانَةُ، فَاشْتُرِطَ لَهُ الْإِسْلَامُ، كَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْكَافِرُ، كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ.
لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْعِمَالَةَ كَالْحَرْبِيِّ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِأَمِينٍ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ: لَا تَأْتَمِنُوهُمْ وَقَدْ خَوَّنَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَى أَبِي مُوسَى تَوْلِيَتَهُ الْكِتَابَةَ نَصْرَانِيًّا. فَالزَّكَاةُ الَّتِي هِيَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى، إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ عَلَى عَمَلٍ تَجُوزُ لِلْغَنِيِّ، فَجَازَتْ لِذَوِي الْقُرْبَى، كَأُجْرَةِ النَّقَّالِ وَالْحَافِظِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.