[كِتَاب اللَّقِيطِ] [مَسْأَلَة اللَّقِيطُ حُرٌّ]
ِ وَهُوَ الطِّفْلُ الْمَنْبُوذُ. وَاللَّقِيطُ بِمَعْنَى الْمَلْقُوطِ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَقَوْلِهِمْ: قَتِيلٌ وَجَرِيحٌ وَطَرِيحٌ. وَالْتِقَاطُهُ وَاجِبٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] . وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ نَفْسِهِ، فَكَانَ وَاجِبًا، كَإِطْعَامِهِ إذَا اُضْطُرَّ، وَإِنْجَائِهِ مِنْ الْغَرَقِ. وَوُجُوبُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ، إذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، فَإِنْ تَرَكَهُ الْجَمَاعَةُ، أَثِمُوا كُلُّهُمْ، إذَا عَلِمُوا فَتَرَكُوهُ مَعَ إمْكَانِ أَخْذِهِ
وَرُوِيَ عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: وَجَدْت مَلْفُوفًا، فَأَتَيْت بِهِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ عَرِيفِي: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَلِكَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ فَاذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَك وَلَاؤُهُ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، سَمِعَ سُنَيْنًا أَبَا جَمِيلَةَ بِهَذَا، وَقَالَ: عَلَيْنَا رَضَاعُهُ.
(4556) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَاللَّقِيطُ حُرٌّ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا النَّخَعِيّ
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ. رُوِينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إنْ الْتَقَطَهُ لِلْحِسْبَةِ، فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ، فَذَلِكَ لَهُ. وَذَلِكَ قَوْلٌ شَذَّ فِيهِ عَنْ الْخُلَفَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، وَلَا يَصِحُّ فِي النَّظَرِ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْآدَمِيِّينَ الْحُرِّيَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ أَحْرَارًا، وَإِنَّمَا الرِّقُّ لِعَارِضٍ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ الْعَارِضُ، فَلَهُ حُكْمُ الْأَصْلِ.
(4557) فَصْلٌ: وَلَا يَخْلُو اللَّقِيطُ مِنْ أَنْ يُوجَدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي دَارِ الْكُفْرِ، فَأَمَّا دَارُ الْإِسْلَامِ فَضَرْبَانِ؛ أَحَدُهُمَا، دَارٌ اخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ، كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، فَلَقِيطُ هَذِهِ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَلِظَاهِرِ الدَّارِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ.