الطِّفْلِ، فِي قِيَامِ وَلِيِّهِ مَقَامَهُ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَزُولُ عَنْهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا قَبِلَ لِنَفْسِهِ، وَقَبَضَ لَهَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، فَهَاهُنَا أَوْلَى.
وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ، فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، كَوَصِيَّتِهِ، وَكَسْبِ الْمُبَاحَاتِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ صِحَّةُ الْقَبْضِ مِنْهُ عَلَى إذْنِ وَلِيِّهِ، دُونَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَحْصُلُ بِهِ مُسْتَوْلِيًا عَلَى الْمَالِ، فَلَا يُؤْمَنُ تَضْيِيعُهُ لَهُ وَتَفْرِيطُهُ فِيهِ، فَيَتَعَيَّنُ حِفْظُهُ عَنْ ذَلِكَ بِوَقْفِهِ عَلَى إذْنِ وَلِيِّهِ، كَقَبْضِهِ لِوَدِيعَتِهِ. وَأَمَّا الْقَبُولُ، فَيَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْمِلْكُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَجَازَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، كَاحْتِشَاشِهِ وَاصْطِيَادِهِ.
(4456) فَصْلٌ: فَإِنْ وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ شَيْئًا، قَامَ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ وَالْقَبُولِ، إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ الطِّفْلِ دَارًا بِعَيْنِهَا، أَوْ عَبْدًا بِعَيْنِهِ، وَقَبَضَهُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، أَنَّ الْهِبَةَ تَامَّةٌ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرَوَيْنَا مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ مِمَّا يَفْتَقِرُ إلَى قَبْضٍ، اُكْتُفِيَ بِقَوْلِهِ: قَدْ وَهَبْت هَذَا لِابْنِي، وَقَبَضْته لَهُ
لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْ الْقَبُولِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَلَا يُغْنِي قَوْلُهُ: قَدْ قَبِلْته. لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يُغْنِي عَنْ الْقَبْضِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَفْتَقِرُ اُكْتُفِيَ بِقَوْلِهِ: قَدْ وَهَبْت هَذَا لِابْنِي. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ قَبْضٍ وَلَا قَبُولٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حِجْرِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ، وَأَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهَا يُغْنِي عَنْ الْقَبْضِ، وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ؛ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ: مَنْ نَحَلَ وَلَدًا لَهُ صَغِيرًا، لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نِحْلَةً، فَأَعْلَنَ ذَلِكَ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا بُدَّ فِي هِبَةِ الْوَلَدِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: قَدْ قَبِلْته. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عِنْدَهُمْ لَا تَصِحُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ وَدَلَالَتَهَا تُغْنِي عَنْ لَفْظِ الْقَبُولِ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى الْقَبُولِ مِنْ كَوْنِ الْقَابِلِ هُوَ الْوَاهِبُ، فَاعْتِبَارُ لَفْظٍ لَا يُفِيدُ مَعْنًى مِنْ غَيْرِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ تَحَكُّمٌ لَا مَعْنَى لَهُ، مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِظَاهِرِ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَابَتِهِ. وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبًا لِأَحْمَدْ، فَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، فِي رَجُلٍ أَشْهَدَ بِسَهْمٍ مِنْ ضَيْعَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ لِابْنِهِ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْإِشْهَادِ: قَدْ قَبَضْته لَهُ
قِيلَ لَهُ: فَإِنْ سَهَا؟ قَالَ: إذَا كَانَ مُفْرَزًا رَجَوْت. فَقَدْ ذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ: قَدْ قَبَضْته. وَأَنَّهُ يَرْجُو أَنْ يُكْتَفَى مَعَ التَّمْيِيزِ بِالْإِشْهَادِ فَحَسْبُ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ عَنْ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُكْتَفَى بِأَحَدِ