مِنْهُ الضَّرَرُ سَابِقًا، مِثْلُ مَنْ لَهُ فِي مِلْكِهِ مَدْبَغَةٌ أَوْ مُقَصِّرَة، فَأَحْيَا إنْسَانٌ إلَى جَانِبِهِ مَوَاتًا، وَبَنَاهُ دَارًا، يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْ إزَالَةُ الضَّرَرِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ ضَرَرًا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(4365) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا أَحْيَاهُ، أَوْ سَبَقَ إلَيْهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي النَّظَرِ فِي ذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا فَلَمْ يُحْيِهِ، فَإِنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالْإِحْيَاءِ أَوْ التَّرْكِ، فَافْتَقَرَ إلَى إذْنِهِ، كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ
وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَهِيَ لَهُ» . وَلِأَنَّ هَذَا عَيْنٌ مُبَاحَةٌ، فَلَا يَفْتَقِرُ تَمَلُّكُهَا إلَى إذْنِ الْإِمَامِ، كَأَخْذِ الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ، وَنَظَرُ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ إذْنِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي مُشَرَّعَةٍ، طَالَبَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَأْخُذَ حَاجَتَهُ وَيَنْصَرِفَ، وَلَا يَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَيَّ إذْنِهِ. وَأَمَّا مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِلْإِمَامِ تَرْتِيبُ مَصَارِفِهِ فَافْتَقَرَ إلَى إذْنِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ هَذَا مُبَاحٌ، فَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ كَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ، كَالْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ وَالصُّيُودِ وَالثِّمَارِ الْمُبَاحَةِ فِي الْجِبَالِ.
(4366) فَصْلٌ: فَأَمَّا مَا سَبَقَ إلَيْهِ، فَهُوَ الْمَوَاتُ إذَا سَبَقَ إلَيْهِ فَتَحَجَّرَهُ كَانَ أَحَقَّ، وَإِنْ سَبَقَ إلَى بِئْرٍ عَادِيَّةٍ، فَشَرَعَ فِيهَا يُعَمِّرُهَا، كَانَ أَحَقَّ بِهَا. وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقَاتِ، أَوْ مَشَارِعِ الْمِيَاهِ وَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَكُلِّ مُبَاحٍ مِثْلِ الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ وَالثِّمَارِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْجِبَالِ، وَمَا يَنْبِذُهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ، أَوْ يَضِيعُ مِنْهُمْ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ النَّفْسُ، وَاللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ، وَمَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّلْجِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، مَنْ سَبَقَ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ، وَلَا إذْنِ غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .