(459) فَصْل: وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُعْتَادَةً حَتَّى تَعْرِفَ شَهْرَهَا، وَوَقْتَ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا. وَشَهْرُ الْمَرْأَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُدَّةِ الَّتِي لَهَا فِيهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، تَحِيضُ يَوْمًا، وَتَطْهُرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَإِنْ قُلْنَا: أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَأَقْصَرُ مَا يَكُونُ الشَّهْرُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَأَكْثَرُهُ لَا حَدَّ لَهُ؛ لِكَوْنِ أَكْثَرِ الطُّهْرِ لَا حَدَّ لَهُ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ الشَّهْرُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِذَا عَرَفَتْ أَنَّ شَهْرَهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَأَنَّ حَيْضَهَا مِنْهُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَطُهْرَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَرَفَتْ أَوَّلَهُ، فَهِيَ مُعْتَادَةٌ، وَإِنْ عَرَفَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا، وَأَيَّامَ طُهْرِهَا، فَقَدْ عَرَفَتْ شَهْرَهَا، وَإِنْ عَرَفَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا وَلَمْ تَعْرِفْ أَيَّامَ طُهْرِهَا، أَوْ أَيَّامَ طُهْرِهَا وَلَمْ تَعْرِفْ أَيَّامَ حَيْضِهَا، فَلَيْسَتْ مُعْتَادَةً لَكِنَّهَا مَتَى جَهِلَتْ شَهْرَهَا، رَدَدْنَاهَا إلَى الْغَالِبِ، فَحَيَّضْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، كَمَا رَدَدْنَاهَا فِي عَدَدِ أَيَّامِ الْحَيْضِ إلَى سِتٍّ أَوْ إلَى سَبْعٍ، لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ.
(460) فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ: مَنْ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ وَهِيَ مَنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ فَاسْتُحِيضَتْ، وَدَمُهَا مُتَمَيِّزٌ بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ، فَإِنْ كَانَ الْأَسْوَدُ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْعَادَةُ وَالتَّمْيِيزُ فِي الدَّلَالَةِ، فَيُعْمَلُ بِهِمَا. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْعَادَةِ أَوْ أَقَلَّ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يُقَدَّمُ التَّمْيِيزُ، فَيُعْمَلُ بِهِ، وَتَدَعُ الْعَادَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ " فَكَانَتْ مِمَّنْ تُمَيِّزُ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ فِي إقْبَالِهِ ". وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مُعْتَادَةٍ وَغَيْرِهَا. وَاشْتَرَطَ فِي رَدِّهَا إلَى الْعَادَةِ أَنْ لَا يَكُونَ دَمُهَا مُتَّصِلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الدَّمِ أَمَارَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ، وَالْعَادَةُ زَمَانٌ مُنْقَضٍ؛ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَرَجَعَ إلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَالْمَنِيِّ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ اعْتِبَارُ الْعَادَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَالْمَرْأَةَ الَّتِي اسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ إلَى الْعَادَةِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِهَا مُمَيِّزَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ قَدْ رُوِيَ فِيهِ رَدُّهَا إلَى الْعَادَةِ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ رَدُّهَا إلَى التَّمْيِيزِ، فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَانِ وَبَقِيَتْ الْأَحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ خَالِيَةً عَنْ مُعَارِضٍ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا. عَلَى أَنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ، وَحِكَايَةُ حَالٍ، يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَا عَادَةَ لَهَا، أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ قَرِينَةِ حَالِهَا، وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَامٌّ فِي كُلِّ مُسْتَحَاضَةٍ، فَيَكُونُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَقْوَى؛ لِكَوْنِهَا لَا تَبْطُلُ دَلَالَتُهَا، وَاللَّوْنُ إذَا زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ، فَمَا لَا تَبْطُلُ دَلَالَتُهُ أَقْوَى وَأَوْلَى.
(461) فَصْلٌ: وَمَنْ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ، فَاسْتُحِيضَتْ، وَصَارَتْ تَرَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ