وَلَنَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً، لَجَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ ثَابِتَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ يَحْصُلُ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فِي الْحَالَتَيْنِ، فَمَا جَازَ فِي إحْدَاهُمَا يَجُوزُ فِي الْأُخْرَى، وَلِأَنَّهَا شَجَرَةٌ، فَجَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِذَلِكَ كَالْمَقْطُوعَةِ، وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، فَجَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ، يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا، فَجَازَ اسْتِئْجَارُهَا لَهَا، كَالْحِبَالِ وَالْخَشَبِ وَالشَّجَرِ الْمَقْطُوعِ.
(4308) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ غَنَمٍ لِتَدْرُسَ لَهُ طِينًا أَوْ زَرْعًا. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مِنْ هَذَا الْحَيَوَانِ، فَأَشْبَهَتْ النَّخِيلَ. وَلَنَا أَنَّهَا مَنْفَعَةٌ، مُبَاحَةٌ، يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْعَيْنِ مَعَ بَقَائِهَا، فَأَشْبَهَتْ اسْتِئْجَارَ الْبَقَرِ لِدِيَاسِ الزَّرْعِ.
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ مَا يَبْقَى مِنْ الطِّيبِ وَالصَّنْدَلِ وَأَقْطَاعِ الْكَافُورِ وَالنِّدّ، لِتَشُمَّهُ الْمَرْضَى وَغَيْرُهُمْ مُدَّةً، ثُمَّ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، فَأَشْبَهْت الْوَزْنَ وَالتَّحَلِّيَ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مِنْ إخْلَاقٍ وَبِلًى.
(4310) فَصْلٌ: وَتَجُوزُ إجَارَةُ الْحَائِطِ، لِيَضَعَ عَلَيْهَا خَشَبًا مَعْلُومًا، مُدَّةً مَعْلُومَةً. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَاسْتِيفَائِهَا، فَجَازَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا، كَاسْتِئْجَارِ السَّطْحِ لِلنَّوْمِ عَلَيْهِ.
(4311) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ دَارٍ يَتَّخِذُهَا مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ إجَارَةٍ بِحَالٍ، فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ لِذَلِكَ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْعَيْنِ مَعَ بَقَائِهَا، فَجَازَ اسْتِئْجَارُ الْعَيْنِ لَهَا، كَالسُّكْنَى، وَيُفَارِقُ الصَّلَاةَ، فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ.
(4312) فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْبِئْرِ، لِيَسْتَقِيَ مِنْهَا أَيَّامًا مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ هَوَاءَ الْبِئْرِ وَعُمْقَهَا فِيهِ نَوْعُ انْتِفَاعٍ بِمُرُورِ الدَّلْوِ فِيهِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْمَاءِ، فَيُؤْخَذُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ.