الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] . وَقَالَ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] ثُمَّ قَالَ: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] .
(4160) فَصْلٌ: وَإِنْ اكْتَرَى فُسْطَاطًا إلَى مَكَّةَ، وَلَمْ يَقُلْ مَتَى أَخْرُجُ، فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ. وَلَنَا أَنَّهَا مُدَّةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةِ الِابْتِدَاءِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَجَرْتُك دَارِي مِنْ حِينِ يَخْرُجُ الْحَاجُّ إلَى آخِرِ السَّنَةِ. وَقَدْ اعْتَرَفُوا بِمُخَالَفَتِهِ لِلدَّلِيلِ، وَمَا ادَّعَوْهُ دَلِيلًا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَهُ دَلِيلًا.
(4161) فَصْلٌ: الْحُكْمُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي عِوَضِ الْإِجَارَةِ كَوْنُهُ مَعْلُومًا. لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» . وَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالصِّفَةِ كَالْبَيْعِ سَوَاءً. فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا بِالْمُشَاهَدَةِ دُونَ الْقَدْرِ، كَالصُّبْرَةِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، أَشْبَهَهُمَا الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَعْلُومٌ يَجُوزُ بِهِ الْبَيْعُ، فَجَازَتْ بِهِ الْإِجَارَةُ، كَمَا لَوْ عَلِمَ قَدْرَهُ
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بَعْدَ تَلَفِ الصُّبْرَةِ، فَلَا يَدْرِي بِكَمْ يَرْجِعُ، فَاشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ كَعِوَضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْقَدْرِ فِي عِوَضِ السَّلَمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ هَا هُنَا أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ، وَالسَّلَمُ يَتَعَلَّقُ بِمَعْدُومٍ، فَافْتَرَقَا، وَلِلشَّافِعِيِّ نَحْوٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ.
(4162) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَا جَازَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ، جَازَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً أُخْرَى، سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا، كَمَنْفَعَةِ دَارٍ بِمَنْفَعَةِ أُخْرَى، أَوْ مُخْتَلِفًا، كَمَنْفَعَةِ دَارٍ بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَ بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ مَعْلُومٍ. وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ،