[مَسْأَلَة لَمْ يُطَالِبْ بِالشُّفْعَةِ فِي وَقْتِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ]

(4022) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ لَمْ يُطَالِبْ بِالشُّفْعَةِ فِي وَقْتِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ، إنْ طَالَبَ بِهَا سَاعَةَ يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: الشُّفْعَةُ بِالْمُوَاثَبَةِ سَاعَةَ يَعْلَمُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْبَتِّيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْعَنْبَرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قُولِيهِ.

وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ، أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى التَّرَاخِي لَا تَسْقُطُ، مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى، مِنْ عَفْوٍ، أَوْ مُطَالَبَةٍ بِقِسْمَةٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: تَنْقَطِعُ بِمُضِيِّ سَنَةٍ. وَعَنْهُ: بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ تَارِكٌ لَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا ضَرَرَ فِي تَرَاخِيهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالتَّأْخِيرِ، كَحَقِّ الْقِصَاصِ.

وَبَيَانُ عَدَمِ الضَّرَرِ أَنَّ النَّفْعَ لِلْمُشْتَرِي بِاسْتِغْلَالِ الْمَبِيعِ وَإِنْ أَحْدَثَ فِيهِ عِمَارَةً، مِنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ، فَلَهُ قِيمَتُهُ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيِّ، أَنَّ الْخِيَارَ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ حُدَّ بِهَا خِيَارُ الشَّرْطِ، فَصَلَحَتْ حَدًّا لِهَذَا الْخِيَارِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ» . وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ قَالَ: «الشُّفْعَةُ كَنَشِطَةِ الْعِقَالِ، إنْ قُيِّدَتْ ثَبَتَتْ، وَإِنْ تُرِكَتْ فَاللَّوْمُ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا» . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ قَالَ: الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» . رَوَاهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ

، وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ

لِدَفْعِ

الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ، كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلِأَنَّ إثْبَاتَهُ عَلَى التَّرَاخِي يَضُرُّ الْمُشْتَرِيَ لِكَوْنِهِ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَى الْمَبِيعِ، وَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِعِمَارَةٍ خَشْيَةَ أَخْذِهِ مِنْهُ، وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ خَسَارَتَهَا فِي الْغَالِبِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا، مَعَ تَعَبِ قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ فِيهَا.

وَالتَّحْدِيدُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ، ثُمَّ هُوَ بَاطِلٌ بِخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَتَقَدَّرُ الْخِيَارُ بِالْمَجْلِسِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. فَمَتَى طَالَبَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ، ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ كُلَّهُ فِي حُكْمِ حَالَةِ الْعَقْدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لِمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ، كَالْقَبْضِ حَالَةَ الْعَقْدِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ بِالْمَجْلِسِ، بَلْ مَتَى بَادَرَ فَطَالَبَ عَقِيبَ عِلْمِهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى.

وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. فَعَلَى هَذَا مَتَى أَخَّرَ الْمُطَالَبَةَ عَنْ وَقْتِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ أَخَّرَهَا لِعُذْرٍ، مِثْلِ أَنْ يَعْلَمَ لَيْلًا فَيُؤَخِّرَهُ إلَى الصُّبْحِ، أَوْ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ حَتَّى يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، أَوْ لِطَهَارَةٍ أَوْ إغْلَاقِ بَابٍ، أَوْ لِيَخْرُجَ مِنْ الْحَمَّامِ، أَوْ لِيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ وَيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا، أَوْ لِيَشْهَدَهَا فِي جَمَاعَةٍ يَخَافُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015