(3999) فَصْلٌ: وَإِنْ غَصَبَ كَلْبًا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ، وَجَبَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَاقْتِنَاؤُهُ، فَأَشْبَهَ الْمَالَ. وَإِنْ أَتْلَفَهُ، لَمْ يَغْرَمْهُ. وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً، لَمْ يَلْزَمْهُ أَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ.
وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي طَهَارَتِهِ بِالدَّبْغِ، فَمِنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ، أَوْجَبَ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ، فَهُوَ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ. وَمِنْ قَالَ: لَا يَطْهُرُ. لَمْ يُوجِبْ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إصْلَاحِهِ. فَإِنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ أَتْلَفَ مَيْتَةً بِجِلْدِهَا، لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ. وَإِنْ دَبَغَهُ الْغَاصِبُ، لَزِمَ رَدُّهُ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا بِفِعْلِهِ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَطْهُرُ. لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ رَدُّهُ، إذَا قُلْنَا: يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ. لِأَنَّهُ نَجِسٌ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، أَشْبَهَ الْكَلْبَ، وَكَذَلِكَ قَبْلَ الدَّبْغِ.
(4000) فَصْلٌ: وَإِنْ كَسَرَ صَلِيبًا، أَوْ مِزْمَارًا، أَوْ طُنْبُورًا، أَوْ صَنَمًا، لَمْ يَضْمَنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ إذَا فُصِلَ يَصْلُحُ لِنَفْعٍ مُبَاحٍ وَإِذَا كُسِرَ لَمْ يَصْلُحْ لِنَفْعٍ مُبَاحٍ، لَزِمَهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُفَصَّلًا وَمَكْسُورًا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالْكَسْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُعِثْت بِمَحْقِ الْقَيْنَاتِ وَالْمَعَازِفِ.»
(4001) فَصْلٌ: وَإِنْ كَسَرَ آنِيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَهَا مُحَرَّمٌ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَضْمَنُ، فَإِنَّ مُهَنَّا نَقَلَ عَنْهُ فِي مَنْ هَشَّمَ عَلَى غَيْرِهِ إبْرِيقًا فِضَّةً: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، يَصُوغُهُ كَمَا كَانَ. قِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اتِّخَاذِهَا؟» فَسَكَتَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِيمَنْ كَسَرَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَيْسَ بِمُبَاحٍ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، كَالْمَيْتَةِ.
وَرِوَايَةُ مُهَنَّا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ؛ لِكَوْنِهِ سَكَتَ حِينَ ذَكَرَ السَّائِلُ تَحْرِيمَهُ، وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ قَالَ: يَصُوغُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ صِيَاغَتُهُ. فَكَيْفَ يَجِبُ ذَلِكَ،.
(4002) فَصْلٌ: وَإِنْ كَسَرَ آنِيَةَ الْخَمْرِ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهَا مَالٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَيَحِلُّ بَيْعُهُ، فَيَضْمَنُهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا خَمْرٌ، وَلِأَنَّ جَعْلَ الْخَمْرِ فِيهَا لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ ضَمَانِهَا، كَالْبَيْتِ الَّذِي جُعِلَ مَخْزَنًا لِلْخَمْرِ.