الْوَجْهُ الثَّالِثُ، أَنَّ الشَّفِيعَ إنْ كَانَ طَالَبَ بِالشُّفْعَةِ، فَهُوَ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَأَكَّدَ هُنَا بِالْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُطَالِبْ بِهَا، فَالْبَائِعُ أَوْلَى. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَالْأَوَّلَيْنِ، وَلَهُمْ وَجْهٌ ثَالِثٌ، أَنَّ الثَّمَنَ يُؤْخَذُ مِنْ الشَّفِيعِ، فَيَخْتَصُّ بِهِ الْبَائِعُ، جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، فَإِنْ غَرَضَ الشَّفِيعِ فِي عَيْنِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ، وَغَرَضَ الْبَائِعِ فِي ثَمَنِهِ، فَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا. وَلَيْسَ هَذَا جَيِّدًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ إنَّمَا ثَبَتَ فِي الْعَيْنِ، فَإِذَا صَارَ الْأَمْرُ إلَى وُجُوبِ الثَّمَنِ، تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ، فَسَاوَى الْغُرَمَاءُ فِيهِ.
(3439) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ صَيْدًا، فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ مُحْرِمٌ، لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ الصَّيْدَ، فَلَمْ يَجُزْ مَعَ الْإِحْرَامِ، كَشِرَاءِ الصَّيْدِ. وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا فِي الْحَرَمِ، وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ، فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَرَمَ إنَّمَا يَحْرُمُ الصَّيْدُ الَّذِي فِيهِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ صَيْدِهِ، فَلَا يَحْرُمُ، وَلَوْ أَفْلَسَ الْمُحْرِمُ، وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ، بَائِعُهُ حَلَالٌ، فَلَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَقِّهِ.
(3440) فَصْلٌ: وَإِذَا أَفْلَسَ، وَفِي يَدِهِ عَيْنُ مَال، دَيْنُ بَائِعِهَا مُؤَجَّلٌ، وَقُلْنَا: لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ بِالْفَلَسِ.
فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوَابٍ: يَكُونُ مَالُهُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَحِلّ دَيْنُهُ، فَيَخْتَارَ الْبَائِعُ الْفَسْخَ أَوْ التَّرْكَ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الدُّيُونِ الْحَالَّةِ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ حَالَّةٌ، فَقُدِّمَتْ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، كَدَيْنِ مَنْ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ. وَلِلْأَوَّلِ الْخَبَرُ، وَلِأَنَّ حَقَّ هَذَا الْبَائِعِ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ، فَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا. كَالْمُرْتَهِنِ، وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
(3441) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ طَعَامًا نَسِيئَةً، وَنَظَرَ إلَيْهِ وَقَلَّبَهُ، وَقَالَ: أَقْبِضُهُ غَدًا. فَمَاتَ الْبَائِعُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَالطَّعَامُ لِلْمُشْتَرِي، وَيَتْبَعُهُ الْغُرَمَاءُ فِي الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ رَخِيصًا. وَكَذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ بِالشِّرَاءِ، وَزَالَ مِلْكُ الْبَائِعِ عَنْهُ، فَلَمْ يُشَارِكْهُ غُرَمَاءُ الْبَائِعِ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَبَضَهُ. الشَّرْطُ الْخَامِسُ، أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا. وَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(3442) فَصْلٌ: وَرُجُوعُ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ، لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ، وَلَا الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَلَا اشْتِبَاهِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ، فَلَوْ رَجَعَ فِي الْمَبِيعِ الْغَائِبِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَغَيَّرُ فِيهَا، ثُمَّ وَجَدَهُ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتْلَفْ شَيْءٌ مِنْهُ، صَحَّ رُجُوعُهُ. وَإِنْ رَجَعَ فِي الْعَبْدِ بَعْدَ إبَاقِهِ، أَوْ الْجَمَلِ بَعْد شُرُودِهِ، أَوْ الْفَرَسِ الْعَاثِرِ، صَحَّ، وَصَارَ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ، وَإِنْ ذَهَبَ كَانَ مِنْ مَالِهِ
وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ تَالِفًا حِينَ