فَبَانَ أَنَّ أَبَاهُ قَدْ مَاتَ، وَصَارَ الْعَبْدُ مِلْكَهُ بِالْمِيرَاثِ، أَوْ وَكَّلَ إنْسَانًا يَشْتَرِي لَهُ عَبْدًا مِنْ سَيِّدِهِ، ثُمَّ إنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَ الْعَبْدَ أَوْ رَهَنَهُ، يَعْتَقِدُهُ لِسَيِّدِهِ الْأَوَّلِ، فَبَانَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ بَعْدَ شِرَاءِ الْوَكِيلِ لَهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، صَحَّ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ، وَصَادَفَ مِلْكَهُ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ عَلِمَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَهُ بَاطِلًا.
(3308) فَصْلٌ: وَلَوْ رَهَنَ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، لَمْ يَصِحَّ، إلَّا أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ، فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ بَيْعُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ. وَلَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي، فَرَهَنَ الْبَائِعُ عَيْنَ مَالِهِ الَّتِي لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا قَبْلَ الرُّجُوعِ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ مَالًا يَمْلِكُهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَ الْأَبُ الْعَيْنَ الَّتِي وَهَبَهَا لِابْنِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ فِيهَا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِلشَّافِعِي فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَهُ اسْتِرْجَاعَ الْعَيْنِ، فَتَصَرُّفُهُ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ فِيهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ رَهَنَ مَا لَا يَمْلِكُهُ. بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ رَهَنَ الزَّوْجُ نِصْفَ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
(3309) فَصْلٌ: وَلَوْ رَهَنَ ثَمَرَةَ شَجَرٍ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ حِمْلَيْنِ، لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، فَرَهَنَ الثَّمَرَةَ الْأُولَى إلَى مَحِلٍّ تَحْدُثُ الثَّانِيَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ حِينَ حُلُولِ الْحَقِّ، فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ كَانَ مَجْهُولًا حِينَ الْعَقْدِ، وَكَمَا لَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا بَعْدَ اشْتِبَاهِهَا. فَإِنْ شَرَطَ قَطْعَ الْأُولَى إذَا خِيفَ اخْتِلَاطُهَا بِالثَّانِيَةِ، صَحَّ.
فَإِنْ كَانَ الْحِمْلُ الْمَرْهُونُ بِحَقِّ حَالًّا، وَكَانَتْ الثَّمَرَةُ الثَّانِيَةُ تَتَمَيَّزُ مِنْ الْأُولَى إذَا حَدَثَتْ، فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ. فَإِنْ وَقَعَ التَّوَانِي فِي قَطْعِ الْأُولَى حَتَّى اخْتَلَطَتْ بِالثَّانِيَةِ، وَتَعَذَّرَ التَّمَيُّزُ، لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا، وَقَدْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ. فَعَلَى هَذَا إنْ سَمْحَ الرَّاهِنُ بِكَوْنِ الثَّمَرَةِ رَهْنًا، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِ الْمَرْهُونِ مِنْهُمَا، فَحَسَنٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ فِي قَدْرِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ لِلْقَدْرِ الزَّائِدِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.
(3310) فَصْلٌ: وَلَوْ رَهَنَهُ مَنَافِعَ دَارِهِ شَهْرًا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَالْمَنَافِعُ تَهْلِكُ إلَى حُلُولِ الْحَقِّ. وَإِنْ رَهَنَهُ أُجْرَةَ دَارِهِ شَهْرًا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَغَيْرُ مَمْلُوكَةٍ.
(3311) فَصْلٌ: وَلَوْ رَهَنَ الْمُكَاتَبُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ. وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ. وَلَوْ رَهَنَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى السَّيِّدِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ. فَقَدْ صَارَ حُرًّا بِشِرَائِهِ إيَّاهُ.
(3312) فَصْلٌ: وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِثُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ، أَوْ بَاعَهَا، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، صَحَّ فِي أَحَدِ