قِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاثَرُ وَيَخْتَلِفُ. وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِ الْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا، حُكْمُ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ غَيْرِهِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَالْعَقْدُ يَقْتَضِيه سَلِيمًا مِنْ التَّأَثُّرِ، وَالْعَادَةُ فِي طَبْخِهِ تَتَفَاوَتُ، فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ.

[فَصْلٌ السَّلَم فِي الْجُلُودِ]

(3201) فَصْلٌ: وَفِي الْجُلُودِ مِنْ الْخِلَافِ مِثْلُ مَا فِي الرُّءُوسِ وَالْأَطْرَافِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ، فَالْوَرِكُ ثَخِينٌ قَوِيٌّ، وَالصَّدْرُ ثَخِينٌ رِخْوٌ، وَالْبَطْنُ رَقِيقٌ ضَعِيفٌ، وَالظَّهْرُ أَقْوَى، فَيَحْتَاجُ إلَى وَصْفِ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ، وَلَا يُمْكِنُ ذَرْعُهُ؛ لِاخْتِلَافِ أَطْرَافِهِ. وَلَنَا، أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ مَعْلُومٌ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ السَّلَمِ فِيهِ، كَالْحَيَوَانِ؛ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْجِلْدِ وَالْأَطْرَافِ وَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَمَا فِي الْبَطْنِ، وَكَذَلِكَ الرَّأْسُ يَشْتَمِلُ عَلَى لَحْمِ الْخَدَّيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ السَّلَمِ فِيهِ، كَذَا هَاهُنَا.

[فَصْلٌ السَّلَم فِي اللَّحْمِ]

(3202) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ» . وَظَاهِرُهُ إبَاحَةُ السَّلَمِ فِي كُلِّ مَوْزُونٍ. وَلِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا جَوَازَ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ، فَاللَّحْمُ أَوْلَى.

الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ يَضْبِطَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِهَا ظَاهِرًا

فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ عِوَضٌ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا بِالْوَصْفِ كَالثَّمَنِ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ فِي الْمَبِيعِ، وَطَرِيقُهُ إمَّا الرُّؤْيَةُ وَإِمَّا الْوَصْفُ. وَالرُّؤْيَةُ مُمْتَنِعَةٌ هَاهُنَا، فَتَعَيَّنَ الْوَصْفُ. وَالْأَوْصَافُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُتَّفَقٌ عَلَى اشْتِرَاطِهَا، وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَوْصَافٍ؛ الْجِنْسُ، وَالنَّوْعُ، وَالْجَوْدَةُ وَالرَّدَاءَةُ. فَهَذِهِ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي كُلّ مُسْلَمٍ فِيهِ. وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي اشْتِرَاطِهَا. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.

الضَّرْبُ الثَّانِي، مَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهِ مِمَّا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَوْصَافِ، وَهَذِهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَنَذْكُرُهَا عِنْدَ ذِكْرِهِ. وَذِكْرُهَا شَرْطٌ فِي السَّلَمِ عِنْدَ إمَامِنَا وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكْفِي ذِكْرُ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَا وَرَاءَهَا مِنْ الصِّفَاتِ. وَلَنَا، أَنَّهُ يَبْقَى مِنْ الْأَوْصَافِ، مِنْ اللَّوْنِ وَالْبَلَدِ وَنَحْوِهِمَا، مَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ وَالْغَرَضُ لِأَجْلِهِ، فَوَجَبَ، ذِكْرُهُ، كَالنَّوْعِ. وَلَا يَجِبُ اسْتِقْصَاءُ كُلِّ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ، وَقَدْ يَنْتَهِي الْحَالُ فِيهَا إلَى أَمْرٍ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، إذْ يَبْعُدُ وُجُودُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحِلِّ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ كُلِّهَا، فَيَجِبُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَوْصَافِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015