نَهَى وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ. وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ» . وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا؛ وَلِأَنَّهُ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ عَلَى وَجْهٍ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنُّقْصَانِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَبَيْعِ الْمَقْلِيَّةِ بِالنِّيئَةِ، وَلَا يَلْزَمُ الْحَدِيثُ بِالْعَتِيقِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ يَسِيرٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إسْنَادِ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ.
وَقَالَ: زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ رَاوِيهِ ضَعِيفٌ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ، وَأَبُو عَيَّاشٍ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ "، وَهُوَ لَا يَرْوِي عَنْ مَتْرُوكِ الْحَدِيثِ.
(2807) فَصْلٌ: فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ، وَالْعِنَبِ بِالْعِنَبِ وَنَحْوِهِ مِنْ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ، فَيَجُوزُ مَعَ التَّمَاثُلِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ فِيمَا يَيْبَسُ. أَمَّا مَا لَا يَيْبَسُ كَالْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ، وَنَحْوِهِ، فَعَلَى قَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ تَسَاوِيهِمَا حَالَةَ الِادِّخَارِ، فَأَشْبَهَ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى هَذَا، وَحَمَلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ فِي اللَّحْمِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رَطْبًا، وَيَجُوزُ إذَا تَنَاهَى جَفَافُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا: إبَاحَةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إبَاحَةُ بَيْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ، وَلِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنُّقْصَانِ، فَجَازَ، كَبَيْعِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] عَامٌ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي مَعْنَاهُ، فَبَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ كَثِيرٌ، وَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنُّقْصَانِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْحَدِيثِ بِالْعَتِيقِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ، وَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ، فَعُفِيَ عَنْهُ.
(2808) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا، وَلَا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ كَيْلًا) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ فِي بَيْعِ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهَا، وَأَنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمَرْعِيَّةَ هِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا، وَمَتَى تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الْمُسَاوَاةُ، لَمْ يَضُرَّ اخْتِلَافُهُمَا فِيمَا سِوَاهَا.
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ إلَّا مَالِكًا قَالَ: يَجُوزُ بَيْعُ الْمَوْزُونَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جُزَافًا. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ كَيْلًا بِكَيْلٍ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي حَدِيثِ