الْعَقْدُ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَتَلَفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِكَوْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا، فَيَزُولُ الْعَقْدُ بِزَوَالِ مَحِلِّهِ، وَيَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ، وَقَبْضِهِ، كَبَيْعِ الْحَاضِرِ.
الثَّانِي، بَيْعُ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك عَبْدًا تُرْكِيًّا، ثُمَّ يَسْتَقْصِي صِفَاتِ السَّلَمِ، فَهَذَا فِي مَعْنَى السَّلَمِ، فَمَتَى سَلَّمَ إلَيْهِ عَبْدًا، عَلَى غَيْرِ مَا وَصَفَ، فَرَدَّهُ، أَوْ عَلَى مَا وَصَفَ، فَأَبْدَلَهُ، لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى غَيْرِ هَذَا، فَلَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ فِي السَّلَمِ غَيْرَ مَا وَصَفَ لَهُ، فَرَدَّهُ. وَلَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، أَوْ قَبْضِ ثَمَنِهِ.
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي الذِّمَّةِ، فَلَمْ يَجُزْ التَّفَرُّقُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، كَالسَّلَمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ التَّفَرُّقُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَالٌّ، فَجَازَ التَّفَرُّقُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَبَيْعِ الْعَيْنِ.
(2776) فَصْلٌ: إذَا رَأَيَا الْمَبِيعَ، ثُمَّ عَقَدَا الْبَيْعَ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ لَا تَتَغَيَّرُ الْعَيْنُ فِيهِ، جَازَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يَجُوزُ حَتَّى يَرَيَاهَا حَالَةَ الْعَقْدِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ، كَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَاهِدَاهُ حَالَ الْعَقْدِ، وَالشَّرْطُ إنَّمَا هُوَ الْعِلْمُ، وَإِنَّمَا الرُّؤْيَةُ طَرِيقٌ لِلْعِلْمِ، وَلِهَذَا اُكْتُفِيَ بِالصِّفَةِ الْمُحَصِّلَةِ لِلْعِلْمِ، وَالشَّهَادَةُ فِي النِّكَاحِ تُرَادُ لِحِلِّ الْعَقْدِ وَالِاسْتِيثَاقِ عَلَيْهِ، فَلِهَذَا اُشْتُرِطَتْ حَالَ الْعَقْدِ. وَيُقَرِّرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا لَوْ رَأَيَا دَارًا، وَوَقَفَا فِي بَيْتٍ مِنْهَا، أَوْ أَرْضًا، وَوَقَفَا فِي طَرِيقِهَا، وَتَبَايَعَاهَا، صَحَّ بِلَا خِلَافٍ مَعَ عَدَمِ الْمُشَاهَدَةِ لِلْكُلِّ فِي الْحَالِ.
وَلَوْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ الْمَشْرُوطَةُ لِلْبَيْعِ مَشْرُوطَةً حَالَ الْعَقْدِ لَاشْتُرِطَ رُؤْيَةُ جَمِيعِهِ، وَمَتَى وَجَدَ الْمَبِيعَ بِحَالِهِ، لَمْ يَتَغَيَّرْ، لَزِمَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَحُدُوثِ الْعَيْبِ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ. فَأَمَّا إنْ عُقِدَ الْبَيْعُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ بِمُدَّةٍ يَتَحَقَّقُ فِيهَا فَسَادُ الْمَبِيعِ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِيهَا، لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الظَّاهِرُ تَغَيُّرَهُ. فَأَمَّا إنْ كَانَ يَحْتَمِلُ التَّغَيُّرَ وَعَدَمَهُ، وَلَيْسَ الظَّاهِرُ تَغَيُّرَهُ، صَحَّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ، فَصَحَّ بَيْعُهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ يَسِيرَةً، وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
(2777) فَصْلٌ: وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ لِلْغَبْنِ فِي مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا، تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، إذَا تَلَقَّاهُمْ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ وَبَاعَهُمْ وَغَبَنَهُمْ. الثَّانِي: بَيْعُ النَّجْشِ. وَيُذْكَرَانِ فِي مَوَاضِعِهِمَا. الثَّالِثُ: الْمُسْتَرْسِلُ إذَا غُبِنَ غَبْنًا يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَدْ قِيلَ: قَدْ لَزِمَهُ