وَلَا أَكْرَهُهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَخَّنْت لَهُ الْمَاءَ فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ. وَلَنَا أَنَّهُ سُخِّنَ بِطَاهِرٍ، أَشْبَهَ مَا فِي الْبِرَكِ وَالْأَنْهَارِ، وَمَا سُخِّنَ بِالنَّارِ وَمَا لَمْ يُقْصَدْ تَشْمِيسُهُ، فَإِنَّ الضَّرَرَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، وَالْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ، يَرْوِيهِ، خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْسَمُ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: وَلَا يَصِحُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
وَحُكِيَ عَنْ أَهْلِ الطِّبِّ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ لِذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الضَّرَرِ.
(11) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمَاءُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّجَاسَةِ، فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يَتَحَقَّقَ وُصُولُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَاءِ، فَيُنَجِّسَهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا. وَالثَّانِي، أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ وُصُولُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَاءِ وَالْحَائِلُ غَيْرُ حَصِينٍ، فَالْمَاءُ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ، وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُكْرَهُ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ حَمَّامًا بِالْجُحْفَةِ» .
وَلَنَا، أَنَّهُ مَاءٌ تَرَدَّدَ بَيْنَ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهَا، فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ الْكَرَاهَةُ، وَالْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْوَقُودَ كَانَ نَجِسًا، وَلَا أَنَّ الْحَائِلَ كَانَ غَيْرَ حَصِينٍ، وَالْحَدِيثُ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ لَا يَثْبُتُ بِهِ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ إلَّا فِي مِثْلِهَا، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ، إذَا كَانَ الْحَائِلُ حَصِينًا، فَقَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ، وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ