- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ، يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ، فَرَآهَا لَا تَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تَتَكَلَّمُ؟ قَالُوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً. فَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَتَكَلَّمَتْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ» . فَإِنْ نَذَرَ ذَلِكَ فِي اعْتِكَافِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ، إذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: أَبُو إسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ نَذْرُ فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَنَذْرِ الْمُبَاشَرَةِ فِي الْمَسْجِدِ.
وَإِنْ أَرَادَ فِعْلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ نَذَرَهُ أَوْ لَمْ يَنْذُرْهُ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَهُ فِعْلُهُ إذَا كَانَ أَسْلَمَ.
وَلَنَا، النَّهْيُ عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ، وَالْأَمْرُ بِالْكَلَامِ، وَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَهَذَا صَرِيحٌ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ، وَاتِّبَاعُ ذَلِكَ أَوْلَى.
فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ، فَأَشْبَهَ اسْتِعْمَالَ الْمُصْحَفِ فِي التَّوَسُّدِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ جَاءَ: لَا تُنَاظِرُوا بِكِتَابِ اللَّهِ. قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَتَكَلَّمْ بِهِ عِنْدَ الشَّيْءِ تَرَاهُ، كَأَنْ تَرَى رَجُلًا قَدْ جَاءَ فِي وَقْتِهِ، فَتَقُولُ: ثُمَّ جِئْت عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى. أَوْ نَحْوَهُ. ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى.
(2177) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَشْهَدَ النِّكَاحَ) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ لَا تُحَرِّمُ الطَّيِّبَ، فَلَمْ تُحَرِّمْ النِّكَاحَ كَالصَّوْمِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ طَاعَةٌ، وَحُضُورُهُ قُرْبَةٌ، وَمُدَّتُهُ لَا تَتَطَاوَلُ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِ عَنْ الِاعْتِكَافِ، فَلَمْ يُكْرَهْ فِيهِ، كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلَامِ.
(2178) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِأَنْوَاعِ التَّنَظُّفِ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرَجِّلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ. وَلَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ الرَّفِيعَ مِنْ الثِّيَابِ» ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَحَبٍّ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَطَيَّبَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ مَكَانًا، فَكَانَ تَرْكُ الطِّيبِ فِيهَا مَشْرُوعًا كَالْحَجِّ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ اللِّبَاسَ وَلَا النِّكَاحَ، فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ.
(2179) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَضَعَ سُفْرَةً، يَسْقُطُ عَلَيْهَا مَا يَقَعُ مِنْهُ، كَيْ لَا يُلَوِّثَ الْمَسْجِدَ، وَيَغْسِلَ يَدَهُ فِي الطَّسْتِ، لِيُفَرَّغَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ لِغَسْلِ يَدِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا. وَهَلْ يُكْرَهُ تَجْدِيدُ الطَّهَارَةِ فِي الْمَسْجِدِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَمَّا مَا حَفِظْت لَكُمْ مِنْهُ «، أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ فِي الْمَسْجِدِ.» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ يَتَوَضَّأُ فِي الْمَسْجِد الْحَرَامِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ» .
وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ