(2108) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ كَانَ عَدْلًا، صَوَّمَ النَّاسَ بِقَوْلِهِ) الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَان قَوْلُ وَاحِدٍ عَدْلٍ، وَيَلْزَمُ النَّاسَ الصِّيَامُ بِقَوْلِهِ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: اثْنَيْنِ أَعْجَبُ إلَيَّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ رَآهُ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمِصْرَ، صَامَ النَّاسُ بِقَوْلِهِ، عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ رَآهُ دُونَهُمْ، لَمْ يُقْبَلْ إلَّا قَوْلُ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ مَا عَايَنَ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ اثْنَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ. فَقَالَ: إنِّي جَالَسْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَأَلْتُهُمْ، وَإِنَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَانْسُكُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ، فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا.» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَلِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَأَشْبَهَتْ الشَّهَادَةَ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْغَيْمِ كَقَوْلِنَا، وَفِي الصَّحْوِ: لَا يُقْبَلُ إلَّا الِاسْتِفَاضَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَنْظُرَ الْجَمَاعَةُ إلَى مَطْلَعِ الْهِلَالِ وَأَبْصَارُهُمْ صَحِيحَةٌ، وَالْمَوَانِعُ مُرْتَفِعَةٌ، فَيَرَاهُ وَاحِدٌ دُونَ الْبَاقِينَ.
وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: رَأَيْت الْهِلَالَ. قَالَ، أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ، فَلْيَصُومُوا غَدًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ «تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي رَأَيْته. فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ، فَقُبِلَ مِنْ وَاحِدٍ، كَالْخَبَرِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرُ، فَقُبِلَ مِنْ وَاحِدٍ عَدْلٍ، كَالرِّوَايَةِ، وَخَبَرُهُمْ إنَّمَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ، وَخَبَرُنَا أَشْهَرُ مِنْهُ، وَهُوَ يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَيُفَارِقُ الْخَبَرَ عَنْ هِلَالِ شَوَّالٍ، فَإِنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَهَذَا دُخُولٌ فِيهَا، وَحَدِيثُهُمْ فِي هِلَالَ شَوَّالٍ يُخَالِفُ مَسْأَلَتَنَا،