فَحَذَفَهُ بِهَا، فَلَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ، وَيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ، خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى.» فَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي كَرِهَ مِنْ أَجْلِهِ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَكِفَّ النَّاسَ، أَيْ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ لِلصَّدَقَةِ، أَيْ يَأْخُذَهَا بِبَطْنِ كَفِّهِ يُقَالُ: تَكَفَّفَ وَاسْتَكَفَّ.
إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَرَوَى النَّسَائِيّ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى رَجُلًا ثَوْبَيْنِ مِنْ الصَّدَقَةِ، ثُمَّ حَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَطَرَحَ الرَّجُلُ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَمْ تَرَوْا إلَى هَذَا، دَخَلَ بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَعْطَيْته ثَوْبَيْنِ، ثُمَّ قُلْت: تَصَدَّقُوا. فَطَرَحَ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ، خُذْ ثَوْبَكَ. وَانْتَهَرَهُ» . وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَخْرَجَ جَمِيعَ مَالِهِ، لَا يَأْمَنُ فِتْنَةَ الْفَقْرِ وَشِدَّةَ نِزَاعِ النَّفْسِ إلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَيَنْدَمُ، فَيَذْهَبُ مَالُهُ وَيَبْطُلُ أَجْرُهُ، وَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ. وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الْإِضَافَةِ أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ مِنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.