(1992) مَسْأَلَةٌ:
قَالَ: وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، لَزِمَهُ أَنْ يُخْرِجَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِالدَّيْنِ، فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إنَّمَا لَمْ يَمْنَعْ الدَّيْنُ الْفِطْرَةَ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ وُجُوبًا بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى الْفَقِيرِ، وَشُمُولِهَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ قَدَرَ عَلَى إخْرَاجِهَا، وَوُجُوبِ تَحَمُّلِهَا عَمَّنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ فَجَرَتْ مَجْرَى النَّفَقَةِ وَلِأَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ تَجِبُ بِالْمِلْكِ، وَالدَّيْنُ يُؤَثِّرُ فِي الْمِلْكِ، فَأَثَّرَ فِيهَا، وَهَذِهِ تَجِبُ عَلَى الْبَدَنِ، وَالدَّيْنُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَتَسْقُطُ الْفِطْرَةُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ، لِوُجُوبِ أَدَائِهِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ، وَتَأَكُّدِهِ بِكَوْنِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ لَا يَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ، وَكَوْنُهُ أَسْبَقَ سَبَبًا وَأَقْدَمَ وُجُوبًا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ غَيْرَ الْفِطْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْمُطَالَبَةِ إنَّمَا هُوَ فِي إلْزَامِ الْأَدَاءِ وَتَحْرِيمِ التَّأْخِيرِ.
(1993) فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ قَبْلَ أَدَائِهَا، أُخْرِجَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَالٌ يَفِي بِهِمَا، قُضِيَا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِمَا، قُسِّمَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالصَّدَقَةِ بِالْحِصَصِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي زَكَاةِ الْمَالِ، أَنَّ التَّرِكَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا هَاهُنَا. فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالٍ وَصَدَقَةُ فِطْرٍ وَدَيْنٌ، فَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَالْمَالِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِاتِّحَادِ مَصْرِفِهِمَا، فَيُحَاصَّانِ الدَّيْنَ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ حَقَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَحَقَّ الْآدَمِيِّ، إذَا تَعَلَّقَا بِمَحِلٍّ وَاحِدٍ، فَكَانَا فِي الذِّمَّةِ، أَوْ كَانَا فِي الْعَيْنِ، تَسَاوَيَا فِي الِاسْتِيفَاءِ
(1994) فَصْلٌ: وَإِذَا مَاتَ الْمُفْلِسُ، وَلَهُ عَبِيدٌ، فَهَلَّ شَوَّالٌ قَبْلَ قِسْمَتِهِمْ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، فَفِطْرَتُهُمْ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَة، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِالدَّيْنِ، وَفِطْرَةُ الرَّهْنِ عَلَى مَالِكِهِ.
(1995) فَصْلٌ: وَلَوْ مَاتَ عَبِيدُهُ، أَوْ مَنْ يَمُونُهُ، بَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ، لَمْ تَسْقُطْ، لِأَنَّهَا دَيْنٌ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ بِسَبَبِ عَبْدِهِ، فَلَمْ تَسْقُطْ بِمَوْتِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَدَانَ الْعَبْدُ بِإِذْنِهِ دَيْنًا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ، وَلِأَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِهِ، فَالْفِطْرَةُ أَوْلَى، فَإِنْ زَكَاةَ الْمَالِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ بِخِلَافِهِ.