عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ» يَقْتَضِي وُجُوبَهَا عَلَى الْيَتِيمِ، وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَوَجَبَتْ فِطْرَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ (1953) فَصْلُ وَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا فِي الْحُرِّ الْبَالِغِ وَقَالَ إمَامُنَا، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا، وَلَا عَلَى الصَّغِيرِ.
وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، أَنَّ عَلَى السَّيِّدِ الْمُسْلِمِ أَنْ يُخْرِجَ الْفِطْرَةَ عَنْ عَبْدِهِ الذِّمِّيِّ وَقَالَ. أَبُو حَنِيفَةَ: يُخْرِجُ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ إذَا ارْتَدَّ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ، نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ» . وَلِأَنَّ كُلَّ زَكَاةٍ وَجَبَتْ بِسَبَبِ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ، وَجَبَتْ بِسَبَبِ عَبْدِهِ الْكَافِرِ، كَزَكَاةِ التِّجَارَةِ وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمِنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» . إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَحَدِيثُهُمْ لَا نَعْرِفُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُ الدَّوَاوِينِ وَجَامِعُو السُّنَنِ.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ يُخَالِفُهُ، وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِهِمْ. وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ تَجِبُ عَنْ الْقِيمَةِ، وَلِذَلِكَ تَجِبُ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَهَذِهِ طُهْرَةٌ لِلْبَدَنِ، وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِهَا الْآدَمِيُّونَ، بِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ
(1954) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ عَلَى الْكَافِرِ إخْرَاجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْهُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا صَدَقَةَ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ زَكَاةٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ، كَزَكَاةِ الْمَالِ. وَلَنَا، أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ الطُّهْرَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى عَنْهُ الْفِطْرَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ سَيِّدِهِ مُسْلِمًا، وَقَوْلُهُ: «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ عَبْدٌ كَافِرٌ لَمْ يَجِبْ فِطْرَتُهُ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ كُلَّ عَبْدٍ وَصَغِيرٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، لَا الْمُؤَدِّي، وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا وَجْهَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ.