الزَّائِدِ عَنْ النِّصَابِ؛ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهَا، لِأَنَّ هَذَا مَالٌ لِلتِّجَارَةِ، حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ وَهُوَ نِصَابٌ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الزَّكَاتَيْنِ بِكَمَالِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى إيجَابِ زَكَاتَيْنِ فِي حَوْلٍ وَاحِدٍ، بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُثْنِي فِي الصَّدَقَةِ» . وَفَارَقَ هَذَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ، وَزَكَاةَ الْفِطْرِ، فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُمَا بِسَبَبَيْنِ، فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ، تَجِبُ عَنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ الْمُسْلِمِ طُهْرَةً لَهُ، وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ تَجِبُ عَنْ قِيمَتِهِ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْغِنَى وَمُوَاسَاةً لِلْفُقَرَاءِ.
فَأَمَّا إنْ وُجِدَ نِصَابُ السَّوْمِ دُونَ نِصَابِ التِّجَارَةِ، مِثْلُ أَنْ يَمْلِكَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ، قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ تَجِبُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَهَا مُعَارِضٌ، فَوَجَبَتْ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ.
(1923) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى نَخْلًا أَوْ أَرْضًا لِلتِّجَارَةِ، فَزُرِعَتْ الْأَرْضُ وَأَثْمَرَتْ النَّخْلُ، فَاتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا، بِأَنْ يَكُونَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرَةِ وَاشْتِدَادُ الْحَبِّ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَكَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِمُفْرَدِهَا نِصَابًا لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي الثَّمَرَةَ وَالْحَبَّ زَكَاةَ الْعُشْرِ، وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ زَكَاةَ الْقِيمَةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يُزَكِّي الْجَمِيعَ زَكَاةَ الْقِيمَةِ. وَذَكَرَ أَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ، فَتَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، كَالسَّائِمَةِ. وَلَنَا، أَنَّ زَكَاةَ الْعُشْرِ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ، فَإِنَّ الْعُشْرَ أَحَظُّ مِنْ رُبْعِ الْعُشْرِ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُ مَا فِيهِ الْحَظُّ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى رُبْعِ الْعُشْرِ قَدْ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهَا فَتَجِبُ، وَفَارَقَ السَّائِمَةَ الْمُعَدَّةَ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّ زَكَاةَ السَّوْمِ أَقَلُّ مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ.
(1924) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ نَوَاهَا لِلِاقْتِنَاءِ، ثُمَّ نَوَاهَا لِلتِّجَارَةِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَبِيعَهَا، وَيَسْتَقْبِلَ بِثَمَنِهَا حَوْلًا. لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ إذَا نَوَى بِعَرْضِ التِّجَارَةِ الْقُنْيَةَ، أَنَّهُ يَصِيرُ لِلْقُنْيَةِ، وَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ مِنْهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لَا يَسْقُطُ حُكْمُ التِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ نَوَى بِالسَّائِمَةِ الْعَلْفَ. وَلَنَا، أَنَّ الْقُنْيَةَ الْأَصْلُ، وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ إلَى الْأَصْلِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ نَوَى بِالْحُلِيِّ التِّجَارَةَ، أَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ، وَلِأَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعُرُوضِ، فَإِذَا نَوَى الْقُنْيَةَ زَالَتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ، فَفَاتَ شَرْطُ الْوُجُوبِ، وَفَارَقَ السَّائِمَةَ إذَا نَوَى عَلْفَهَا، لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْإِسَامَةُ دُونَ نِيَّتِهَا، فَلَا يَنْتَفِي الْوُجُوبُ إلَّا بِانْتِفَاءِ السَّوْمِ.
وَإِذَا صَارَ الْعَرْضُ لِلْقُنْيَةِ بِنِيَّتِهَا، فَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ، لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ وَذَهَبَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ،