هذا حديث عظيم مُتَّفَق على عِظَمِ مَوْقِعِهِ وَجَلالَتِهِ، يَكَادُ يكونُ مَدَارُ الإسلام عليه؛ لأنّهُ قاعِدَةٌ مِنْ قواعِدِه، مُشْتَمِلٌ على أساسِهِ، مفصِّلٌ طاعاته القَلْبِية والبَدَنِية أُصُولًا وفُرُوعًا، وعلى أمرِ الغَيْبِ، حتى قال بعضُهُم: "لو لَمْ يَكُن في هذه "الأربعين" -بل في السُّنَّةِ جميعها- غيرهُ لكان وافيًا بأحكَام الشَّريعة، لاشتماله على جُملَتِها مُطَابقةً، وعلى تفصيلها تَضَمُّنًا" (?).

فهو جامِعٌ لها عِلْمًا ومَعْرِفَةً وأدَبًا ولُطْفًا، ومَرجِعُهُ مِنَ القرآن كُلُّ آيةٍ تَضَمَّنت ذِكْرَ الإيمان والإسلام نحو: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] الآية. {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة: 285] الآية. {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ} [النساء: 136] الآية. {لَّيْسَ الِبرَّ} [البقرة: 177] ونحو ذلك، والحديث "الثالث" و"الثامن" شاهِدٌ لهُ.

قال القاضي عياض: "هوَ مُشْتَمِلٌ على جَميعِ وظَائِفِ العِبادات، الظاهِرَةِ والبَاطِنَةِ، مِنْ عُقُود الإيمان، وأَعمَال الجَوارح، وإخلاص السَّرائر، والتَّحَفُّظ مِن آفات الأعمال، حتى إنَّ علومَ الشَّريعة كُلَّها راجِعَة إليهِ وَمُتَشَعِّبة منه.

وعلى هذا الحديث وأقْسَامِهِ الثلاثةِ ألَّفْنَا كتابنا الذي سَمَّيْنَاهُ بـ "المقاصد الحِسان فيما يَلْزَمُ الإنسان" إذْ لا يَشذُّ شيءٌ من الواجِبات والسُّنن، والرَّغائب، والمَحْظُورات، والمَكْرُوهات عن أقسامهِ الثلاثةِ" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015