والرسولُ - صلى الله عليه وسلم - أشرفُ الخَلقِ كلِّهم أجمعينَ، وقد أُوتِيَ جوامع الكلم، وسواطِعَ الحِكَم، من عند رب العالمين، فكلامه أشرفُ الكَلِم وأفضلُها، وأجمعُ الحِكَم وأكملُها، كما قيل: "كلامُ المُلُوك مُلُوكُ الكَلامِ" وهو تِلوَ كلام الله العلَّام، وثاني أدلةِ الأَحكام؛ فإن علوم القرآن وعقائد الإسلام بأسرها، وأحكام الشريعة المطهرة بتمامها، وقواعد الطريقة الحقَّة بحذافيرها، تتوقف على بيانه - صلى الله عليه وسلم -، فإنها ما لم تُوزَن بهذا القِسْطَاس المستقيم، ولم تُضْرَب على ذلك المعيار القويم، لا يُعْتَمَدُ عليها، ولا يُصَار إليها فهذا العِلم المَنصوص، والبِنَاء المرصوص، بمنزِلَةِ الصَّرَّاف لجواهِرِ العلوم عَقْلِيها ونَقْلِيِّها، وكالنقاد لنقود كل الفنون: أصليها وفرعيها من وجوه التفاسير والفقهيات ونصوص الأحكام ومآخذ عقائد الإسلام، وطرق السلوك إلى الله سبحانه وتعالى ذي الجلال والإكرام، فما كان منها كامل العيار نقد هذا الصراف فهو الحري بالترويج والاشتهار.
وما كان زيفًا غَيْرَ جَيِّدٍ عند ذاك النّقاد فهو القمين (?) بالرَّدِّ والطَّرْدِ والإنكار، فَكُلُّ قول يصِّدقه خبر الرسول فهو الأصلح للقبول، وكل ما لا يساعده الحديث والقرآن، فذلك في الحقيقة سفسطة بلا برهان.
فهي مصابيح الدُّجَى، ومَعَالِمُ الهُدَى، وبمنْزِلَةِ البَدْرِ المنير، مَنِ انقَادَ لها فقد رَشَدَ واهتَدَى وأُوتي الخيرَ الكثير، ومَنْ أَعْرَضَ عنها وتَوَلَّى فقد غوى وهوى وما زاد نفسه إلَّا التخسير، والعلم في الحقيقةِ هو عِلْمُ السُّنَّةِ والكتاب، والعمل بهما في كل إياب وذهاب" (?).