فإن قلتَ: لِمَ قال: "نَفَسَ الله عنهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يوم القِيامَةِ"، ولم يذكر كرب الدنيا، وقال: "سَتَرهُ اللهُ في الدُّنيا والاخرةِ"؟
وأُجِيبَ بأنه يحتمل أن هذا اتفاق، لأنَّ الترغيب حاصل، فَكِلَا الأمرين -أعني: التَنْفِيس والسِّتر- في الدَّارَيْن أو في أحدهما، ويحتمل أن الدنيا لمَّا كانت محل العورات والمعاصي، احتُيجَ إلى السِّتر فيها، وأمَّا الكُرَبُ فهي وإن كانت الدنيا محلًا لها، لكن لا نسبة لكربتها إلى كرب الآخرة حتى تُذْكَر معها.
رابعها: فيه فضيلةُ عونِ الأخ على أموره والمكافآت عليها بجنسها من الإعانة الإلهية، وقوله: "ما كان العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ" أي: مدة كونه في عونه، ولا فرقَ بين كونهِ في عونهِ بقَلبِهِ أو بيدِهِ أو بهِمَا، لأنَّ الكُل عون، ثم ظاهِرُ الحديث: اختصاصُ الثَّوابِ المذكور بالمُسلم والمؤمن والأخ، والأشبه أن يثاب عليه في المؤمن والكافر، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ الله كتَبَ الإحسَانَ على كُلِّ شَيْءٍ"، وقوله: "في كُلِّ كَبْدٍ حَرَّى أَجْرٌ" (?).
ويحمل الحديث المذكور على أن المؤمن أولى بالتنفيس من الكافر؛ لشرف الإيمان، والأجر عليه أعظم، ثم يليه الذِّمِّي، ثم المستأمن، ثم الحربي على حسب قوة تعلقهم بالإسلام وضعفه.
خامسها: فيه فضلُ السَّعي به، والمراد: العلم الشَّرعي، وإنما ينفعُه إذا قَصدَ به وجه الله، والعلمُ الشَّرعيُّ كتفسيرٍ، وحديثٍ، وفقهٍ، وأُصُولٍ ونحو ذلك، لا الخارج عنه كالفلسفي والطبيعي والرياضي.
نعم، إن قصدَ بعلمِها معرفتَها والردَّ عليهم ودفع شُبههم، فإنهُ مِن إعدادِ القوَّةِ، وإنما خَصصنَاهُ بالشَّرعي؛ لقوله: "سَهلَ اللهُ لَهُ طَريقًا إلى الجَنَّةِ".