وقد قال -عليه الصلاة والسلام- في حديث: "أيها الناس! اتقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، واسعَوْا في مَرْضَاتِهِ، وَأَيْقِنُوا مِنَ الدُّنيا بالفَنَاءِ، ومنَ الآخِرَةِ بالبَقَاءِ، واعمْلُوا لِمَا بعدَ الموت، فَكَأَنَّكَ بالدُّنيا وَلَمْ تَكُنْ، وبالآخِرَةِ وَلَمْ تَزَلْ، إِنَّ مَن في الدُّنيا ضَيْفٌ، وَمَا في يَدِهِ عَاريَّةٌ، وإنَّ الضَّيْفَ مُرْتَحِلٌ، والعَارِيةُ مَرْدُودَةٌ، والدُّنيا عَرَضٌ حَاضِرٌ، يَأْكُلُ مِنْها البَرُّ والفَاجِرُ، والدُّنيا مُبغَّضَةٌ لأَوْلِياءِ الله، مُحَبَّبةٌ لأَهْلِها فَمَنْ شَارَكَهم في مَحْبُوبهم أَبْغَضُوهُ" (?).
فأرشدَ الشَّارعُ السَّائِلَ إلى تَرْكِها بالزُّهدِ فيها، ووعده على ذلك بِحُبِّ الله له -وهو رضاه عنه- فإنَّ محبتَهُ لهم رِضَاهُ عنهم، وأرشده إلى الزُّهد فيما في أَيْدِي الناس إن أرادَ مَحَبَّة الناس له، والكل حب الدنيا؛ فليس في أيدي الناس شيء يتباغضون ويتنافسون [عليه] (?) إلَّا الدنيا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ كانتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ: جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ في قَلْبهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنيا وهي رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كانَت الدُّنيا هَمَّهُ: شَتَّتَ اللهُ شَمْلهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بينَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتهِ مِن الدُّنيا إلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ" (?)، والسَّعيد من اختارَ باقِيةً يَدُومُ نَعِيمُها، على بالِيَةٍ لا يَنْفَدُ عَذَابها.
قال بعضهم: "ووجه كون الزهد في الدنيا سببًا لمحبة الله؛ أنه تعالى يُحِبُّ مَن أطاعه، ويبغِضُ مَن عصاهُ، والطَّاعةُ مع المحبة للدنيا مِمَّا لا يجتمع، وقد