ثالثها: في فوائده:
فللَّه در معاذ ما أفصحه، لقد أوجز وأبلغ، وحَمِدَ الشَّارعُ مسألته، وأعجبه من فصاحته وقال: "لقد سَأَلتَ عَنْ عَظِيمٍ"، واستعظامه مُنْصَرِفٌ إلى العَمَلِ المطلوبِ الإيثارُ به لا ليتجنَّبه؛ بدليل قوله: "وإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَن يَسَّرَهُ اللهُ تعالى عليهِ" بمعنى: على مَن وَفَّقَهُ وهَدَاهُ وشَرَحَ صَدْرَهُ وَأَعَانَهُ على مَا وفَّقَهُ إليهِ، ثُمَّ أَرْشَدَهُ لعبادَتِهِ مُخْلصًا له الدِّين بقوله: "تَعبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بهِ شيئًا" والظَّاهِرُ أنَّ العبادةَ هنا: التَّوحيد؛ بدليل قوله: "لا تُشْرِكُ بهِ شَيْئًا"، ومنه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]: وَحِّدُوهُ.
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]: لِيُوَحِّدُوني.
فعلى هذا يكونُ قد ذَكَرَ لهُ التَّوحِيدَ وأعمالَ الإسلام، ويُحْتَمَلُ أنَّ العبادَةَ هنا تَتَنَاوَلُ الإيمانَ الباطن والإسلام الظاهر، ويكون قوله: "وَتُقِيمَ الصَّلاةَ ... " إلى آخره، عَطفُ خَاصٍّ على عَامٍّ؛ لتضمن قوله: "تَعْبُدُ اللهَ" لِمَا بعدَهُ، ثم قال: "وَتُقِيمَ الصَّلاةَ" وإقامة الصلاة: الإتيَانُ بها على أحوالها؛ كما قال في الحديث الآخر: "تَسْوِيَةُ الصَّفِّ مِن كَمَالِها" (?).
ثُمَّ ذَكَرَ له شَرَائِعَ الإسلامِ مِن الزَّكاةِ والصَّومِ والحجِّ، ثم دَلَّهُ على أبوابِ الخير؛ فقال: "الصَّومُ جُنَّةٌ" ويجوزُ أن يكونَ الصَّومُ هنا غير الفرض، والمراد: الإكثارُ مِنهُ.
ثم قال: "والصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئةَ" أي: تَمْحُوهَا: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وإِنَّمَا استَعَارَ لفظَ الإطفاء لمقابلة "كَمَا يُطْفِئُ الماءُ