وكراهته اطلاع الناس على [الشيء يدُلُّ على أنَّه إثمٌ؛ لأنَّ النفسَ بِطَبْعِها تُحِبِّ اطِّلاع الناس على] (?) خيرها وبِرِّها (?)، ومِن ثَمَّ هَلَكَ كثيرٌ مِن الناس بالرِّياء، فإذا كَرِهتْ اطِّلاع بعض الناس على بعض أفعالها علِمنَا أَنَّهُ ليس خيرًا وبِرًّا، فهو إذن شَرٌّ وإثم.
ثُمَّ إِنَّ هاتين العلامَتَين واحدة مُرَكَّبةٌ مِن أمرَيْن ويحتمل استقلالهما، ويؤيد الأول العطفُ؛ إذ مقتضاه المغايرة، ويَتَحَصَّلُ مِن ذلك قِسْمَةٌ رُبَاعِيَّة، وهي أنَّ الفعلَ إِمَّا أن يحيكَ في النفس ويكره اطلاع الناس عليه، أَوْ لَا وَلَا (?)، أو يحيك فلا يكره، أو يكره ولا يحيك؛ فالأول إِثمٌ: كالزنا والسرقة، والثاني ليس بإثم كالعبادة والأكل والشرب ونحوه، والثالث والرابع إِنْ أمكَنَ وجودهما فهما مُتَرَدِّدان بين الإثم والبر من باب قوله: "وبينَهمَا مُشْتَبِهاتٌ" (?) أو يكرههن كراهة تنزيه (?).
الخامس: الكراهة المعتبرة هنا الكراهة الدينية الجازمة، فخرج بالدينية: العادية، وبالجازمة غيرها؛ فالأول: كمن يكره أن يرى على الأرض حبًّا أو جبلًا أو نحو ذلك، والثاني: كمن يكره أن يركب بين المشاة تواضعًا ونحوه، ثم لو رأى ذلك لم يبال، لأن كراهة ذلك غير جازمة به.
تتميم آخر: الفِعلُ إِمَّا جارحةٌ أو قلبٌ، وعلى التقديرين: فَإِمَّا ألا يكره اطلاع الناس عليه كالعبادة والأكل والشرب والإخلاص والمعرفة والتوكل